لفتت مشاركة العرب هذا العام في "بينال" البندقية للفن المعاصر انتباه الصحافة الغربية واعتبرت أن المشاركة المكثفة للفنانين التشكيلييّن العرب ( 22 مشاركا) على خلاف الدّورات السّابقة لل"بينال" الفنّي (ينتظم مرة كل سنتين) حيث كانوا شبه غائبين ذات علاقة مباشرة بما يحدث على الساحة السياسية بالمنطقة العربية. فجأة بدأت الأبواب الموصدة تفتتح أمام العرب الذين كانوا قبل انتصار الثورة الشعبية في تونس في 14 جانفي يعتبرون ضمنيا غير مؤهلين للمشاركة في المناسبات الإبداعية التي عادة ما تعكس مستوى الرقيّ الحضاري الذي بلغته هذه المنطقة أوغيرها. والطريف في الأمر أن "بينال" البندقية لم يدقق كثيرا في هوية المشاركين العرب وما إن كانوا ينحدرون من بلدان قامت بها ثورات أم لا فنجد المغربي والسعودي والجزائري والإماراتي والمصري إلخ...وإنما كان هاجس المنظمين على ما يبدو استدراج الفنانين التشكيلييّن العرب إلى البندقية لعرض أعمالهم من منطلق فكرة أنّ مجرّد حضورهم سيكون بمثابة الحدث. لكن وفي الوقت الذي تتهافت فيه أوروبا والغرب عموما بمن فيهم الولاياتالمتحدةالأمريكية على تشريك الدول العربية في المناسبات الكبرى الفنية والإقتصادية وغيرها تعود بنا الذاكرة إلى السنوات الطويلة التي كان فيها الغرب شريكا قويا للديكتاتوريات القائمة بالمنطقة العربية. الغرب بمختلف مؤسساته السياسية والثقافية والمالية وغيرها لم يكن يرى الربيع قادما إن لم يعمل على تأخيره بمساندته المفضوحة للديكتاتورية وهو اليوم أي الغرب وإذ يسعى بقوة إلى الخروج من المأزق الذي وضعته فيه ثورات الشعوب العربية بشكل أو بآخر من خلال مقترحاته في مجال المساعدات المادية للشعوب العربية المحررة من الديكتاتورية أو من خلال المشاركة في الحملات العسكرية مثلا ضد نظام القذافي فإنه يبحث بدوره عن نفسه من خلال هبته الواضحة ودعمه للثورات الشعبية. لقد كان الغرب لعقود متغافلا عن جملة القيم التي صنعت سمعة الحضارة الغربية في العالم ومن بينها بالخصوص نصرة الإنسان. كان لا بد من أن تدفع الشعوب العربية ذلك الثمن من أرواحها ومن ثرواتها حتى تتفطن الدول الغربية إلى سوء تقييمها. كانت هذه الدول التي تتهافت اليوم على دعوة العرب المحررين من الديكتاتورية إلى كل مناسبة كانت تدعم الديكتاتورية في ليبيا مثلا باسم حراسة الحدود فليبيا بقيادة القذافي كانت تلعب دور الشرطي وتراقب الحارقين من افريقيا وبلدان المغرب العربي وتمنعهم من الوصول إلى بلدان الضفة الشمالية للحوض الغربي للمتوسط. وكانت تدعم الديكتاتورية في سوريا وفي مصر باسم حماية أمن أسرائيل وكانت تدعم الديكتاتورية في تونس لأن النظام السابق كان قد طرح نفسه حاميا للبلد وللحدود من الإسلاميين. كان الإتحاد الأوروبي الذي من المفروض أنه يضع شروطا لتقديم دعمه لتونس من بينها مدى احترامها لحقوق الإنسان والحريات العامة يغض الطرف عن التجاوزات الخطيرة التي كان نظام بن علي يرتكبها فقط لأنه كان يسوق لهم فكرة محاربة الإرهاب والوقوف في وجه قيام نظام إسلامي وقد تبين فيما بعد أنها لم تكن أكثر من فكرة تدخل في إطار المناورات من أجل البقاء في السلطة. لقد وصلت الأمور بالقذافي إلى التلويح لما عرف أن الثورة توشك على الفتك به بأنه في صورة غيابه لن تكون اسرائيل آمنة ونكاد نراهن أن الفرضية وقع تدارسها بأوروبا والولاياتالمتحدة وأنه لو لم تظهر بوادر تشير إلى أن الشعوب العربية كانت حاسمة في أخذ زمام أمرها بنفسها لكانت التدخلات ضد هذه الشعوب وليس لصالحها. لم تكن الشعوب العربية من قبل وتحديدا قبل 14 جانفي من العام الجاري تحسب من بين الشعوب التي يجب أن يحسب لها حساب. لقد تغيرت الأمور اليوم. لا بأس ولو حتى جاءت ردود الافعال في أوروبا والولاياتالمتحدة متأخرة بعض الشيء. لنذكر مثلا بأن الرئيس الأمريكي ولو اتخذ فيما بعد موقف صريح لفائدة الثورة التونسية ثم المصرية فإنه كان مترددا في البداية. لنذكر بأن فرنسا ارتكبت أخطاء كبيرة قبل أن تسلم بأنه لا مجال أمامها سوى مباركة ثورة الشعب التونسي. لا نريد أن نكون من بين الشعوب التي تحمل في قلوبها غيضا ولكن من الصعب أن ننسى ونحن إزاء هذا التهافت الغربي على البلدان العربية اليوم أن جزء كبيرا من همنا يتحمل الغرب المسؤولية الكبيرة فيه. بالأمس فتح مهرجان كان السينمائي الدولي أبوابه إلى تونس حيث عرض فيلم لا خوف بعد اليوم بالبرنامج الرسمي للمهرجان كما كرّمت مصر وخص المهرجان البلدين بتحية واهتمام كبيرين واليوم نجد أن العرب من بين نجوم «بينال « البندقية بإيطاليا حيث برزت مشاركتهم بمستوى راق جعل النقاد يهللون لانخراط المبدعين العرب في مجالات فنية حديثة وجدّ مواكبة للعصر وإن أردنا أن نحصي المشاركات العربية في مهرجانات غربية متنوعة منذ انتصار الثورة الشعبية في تونس فإننا لا نحصيها فضلا عن الدعوات المتهاطلة على العرب للمشاركة في المناسبات السياسية والإقتصادية العالمية وغيرها. بقي علينا أن نعي أن ذلك لا يعتبر تكريما أو منّا علينا وإنما هو حق اقتلعته الشعوب العربية بأظافرها ودفعت لأجله ولا تزال ثمنا غير زهيد. حياة السايب