عندما ترقص افريقيا فإن لا شيء مثير في ذلك. بل على العكس قد يكون من غرائب الامور أن لا يرقص الافارقة وهم على ما هم عليه من مشاكل وأزمات وصعوبات الحياة. لذلك فعندما ينتظم البينال (أي مرة كل عامين) الذي يحمل العنوان الذي ذكرنا حول الرقص بافريقيا فإن الامور تبدولم تخرج من صلب الموضوع لانه قد لا نبالغ عندما نقول أن الرقص طبيعة ثانية عند الافارقة. أما أن يحل هذا "البينال" بتونس بعد حوالي 15 سنة على تأسيسه فإنه يكشف على الاقل عن محاولة لتصحيح الامور. هذه التظاهرة التي بعثتها منذ سنوات مصلحة ثقافات فرنسا بالخارجية الفرنسية والتي وضعت من بين أهدافها تشجيع الرقص المعاصر بافريقيا المعاصرة على حد ما كتبت السيدة صوفي رينومديرة قسم افريقيا والكاراييب بثقافات فرنسا والسيد أوليفيي بوافر دارفور مدير ثقافات فرنسا في الكتيب الخاص بالدورة الجديدة للبينال لم تكن على الارجح تتعامل مع منطقة المغرب العربي على أنها جزء من افريقيا وافريقيا على حد تعبير السيدة سهام بلخوجة هي في نظرهم سوداء أولا تكون. اللوجيستيك من تونس ولئن يتحول "البينال" هذه المرة إلى تونس فإن المنظمين وجدوا في مؤسسة "ناس الفن" الشريك المناسب الذي يوفر اللوجستيك إن صح هذا التعبير الذين يحتاجونه في مثل هذه المناسبات أضف إلى ذلك أن ناس الفن هي مؤسسة نشيطة ووراء عدة مبادرات ثقافية عرفت الانتشار حتى على المستوى الدولي على غرار المهرجان الخاص بالفيلم الوثائقي بتونس. ولا نعتقد أن سهام بلخوجة مازالت تحتاج إلى تقديم ذلك أنها تقريبا وراء كل تظاهرة لها علاقة من بعيد أومن قريب بالرقص دون أن ننسى قدرتها الكبيرة على حشد الدعم المادي والمعنوي لكل بادرة تقوم بها على مستوى بعث مهرجان أومدرسة إلخ... أخيرا تمكنت هذه المرأة النشيطة من إزالة تلك الموانع التي تضعها وزارة الثقافة والمحافظة على التراث التي سخرت مبلغا قدره 50 ألف دينار لتشجيع الانتاج التونسي تنضاف إلى حوالي 50 ألف دينار أخرى في نفس الاطار لتصل بذلك مساهمة الوزارة في هذه التظاهرة المشتركة التونسية الدولية حوالي مائة ألف دينار وفق الارقام التي تم الاعلان عنها خلال اللقاء الصحفي الذي انتظم بالمناسبة. وقد حضر السيد فتحي زغندة مدير الموسيقى والرقص بالوزارة في أواخر اللقاء الذي نظمته سهام بلخوجة مع الاعلاميين التونسيين حول مائدة غداء ليعلن أن الوزارة لا تتأخر في دعم الافكار الجادة والهادفة والواعدة. والبينال "ارقصي افريقيا ارقصي" الخاص بافريقيا والمحيط الهندي والذي ينعقد فيما بين غرة ماي القادم و8 من نفس الشهر في دورته السابعة في بلادنا وجد الاطار الملائم الذي يتمثل في اللقاءات الكوريغرافية السابعة لقرطاج التي تقام كل ربيع. وتجدر الاشارة إلى أن الطرف الفرنسي يساهم في هذه التظاهرة بمبلغ يصل إلى حوالي 500 ألف دينار تونسية. تشريك المغاربة والعرب تحتوي التظاهرة على مسابقة عادة ما تشارك فيها المجموعات ولكنها بحلولها بتونس انفتحت على المبادرات الفردية. تقدم للمسابقة حوالي 102 من المترشحين في اختصاص المجموعات ووقع الاقتصار على ثمان مترشحين يمثلون كل من تونس وجنوب افريقيا وبوركينا فاسو والكونغو وكينيا ومدغشقر والموزمبيك. أما المترشحين للمسابقة الفردية فقد بلغ عددهم 68 ووقع الاقتصار على 10 متبارين يمثلون البلدان التالية: تونس وجنوب افريقيا (في مشاركتين ) وبوركينا فاسو والكونغو وساحل العاج ومالي والموزمبيق والسينيغال (في مشاركتين ). مع العلم أن المسابقة الاولى تشترط أن لا يدوم العرض أكثر من 30 دقيقة وأن لا تظم المجموعة على الركح أكثر من 6 عناصر. أما المسابقة الثانية فهي لا بد أن تستغرق من المترشح 20 دقيقة لا أكثر. تنتهي المسابقة بمنح جوائز لمجموعتين فائزتين ولمشارك بصفة فردية. وتنظم لفائدة الفائزين جولة دولية تستغرق أشهر وتنطلق في ماي 2008. إذاعة فرنسا الدولية التي تدعم التظاهرة تمنح بدورها جائزة لفائز وحيد تتمثل في تنظيم جولة في افريقيا بداية من 2009. مع العلم أنه تم الاعلان عن الدورة السابعة للبينال منذ مارس 2005. حلول التظاهرة بتونس جاء يحمل معه جديدا آخر. الامر يتمثل في تشريك عدد من البلدان العربية في اللقاءات الكوريغرافية التي هي عادة محصورة في البلدان الافريقية ومناطق المحيط الهندي. الفكرة أكدت عليها سهام بلخوجة التي اعتبرت المناسبة سانحة لاقامة حوار مغاربي شرق أوسطي افريقي عبر الرقص والكوريغرافيا. كان ذلك خلال اللقاء الذي استضافت فيه عددا من الراقصين والكوريغرافيين الذين تخرجوا على يديها ومن بينهم من أسس مجموعته الخاصة إضافة إلى بعض المشاركين في المسابقة من تونس. ضم اللقاء أسماء بدأت تشق طريقها في مجال الكوريغرافيا على غرار عائشة مبارك وزوجها حفيز. وعماد جمعة الذي يفتتح التظاهرة بالمسرح البلدي بالعاصمة وكذلك نجيب خلف الله. من الشباب المشاركين في المسابقتين كان هناك علي الطرابلسي (المشاركة الفردية ) وأميمة مناعي وإيناس شخيمي (في إطار المجموعات ) وغيرهم ممن حرصت سهام بلخوجة على الاشادة بكفاءتهم وبمواهبهم. كان هناك أيضا بعض ضيوف شرف من أهل الموسيقى والرقص والغناء من بينهم الفنان الاستعراضي رشدي علوان. المناسبة ستكون سانحة كذلك لتقديم فكرة عن أعمال المركز المتوسطي للرقص المعاصر الذي أسسته سهام بلخوجة منذ عامين بتونس ويحظى بدعم الاتحاد الاوروبي وهويستقبل طلبة من افريقيا والبلدان العربية الذين ينتهون بالحصول على ديبلوم في الاختصاص.وذلك وفق ما أعلنته مؤسسة المركز. ولم تفوت سهام بلخوجة الفرصة دون التذكير بأن عدد الممارسين للرقص في تونس واعتماده كحرفة أساسية ما فتئ يكبر. مشيرة في الآن نفسه إلى ضرورة الاعتراف بهذا المجال والتعامل معه بأكثر جدية. مجمل الراقصين والراقصات الذين كانوا من بين الحاضرين خلال اللقاء الاعلامي وسواء بصفتهم كمشاركين في المسابقة المذكورة أوكتلاميذ قدامى لسهام بلخوجة. كانوا متفقين في أمرين أساسيين. اختيارهم للرقص كمهنة أوكحرفة لم يأت إلا بعد اقتناع وتأكيدهم على أن المجتمع التونسي مازال أمامه الكثير ليعتبر الرقص حرفة خلاقة ووسيلة تعبير ناجعة عن أي قضية مهما كانت معقدة وأنه قد يكون آن الاوان لعدم النظر لهذا الاختصاص على أنه وسيلة للتسلية فحسب. اللقاء الصحفي الذي انتظم بعد ظهر الخميس اقتصر على الحضور الاعلامي التونسي في حين من المنتظر أن تعقبه لقاءات أخرى تضم مختلف الاطراف المشاركة ومن بينها بالطبع الطرف الفرنسي قبل انطلاق التظاهرة يوم غرة ماي القادم.