لان حرية الاسرى والمساجين القابعين في سجون ومعتقلات الاحتلال والذين لا ذنب لهم سوى انهم رفضوا الخضوع لقيود المحتل وممارساته حق مشروع كفلته كل القوانين والشرائع السماوية والوضعية فانه لا يمكن ان يقبل الابتزاز او يخضع للمساومة الدنيئة او يسمح بتجاوز الحقائق والقفز عليها... بعد اكثر من تاجيل وفي اعقاب حرب الاعصاب ولعبة المراوغات التي اكدت اسرائيل انها اكثر من يتقنها ويتحكم في خيوطها تم بالامس اطلاق سراح اربعمائة وتسعة وعشرين اسيرا فلسطينيا من السجون والمعتقلات الاسرائيلية. واذا كانت اسرائيل ارادت لهذه الخطوة ان تسجل للعالم "حسن نواياها" ازاء استحقاقات السلام في اعقاب مؤتمر انابوليس فان الاكيد ان هذه الخطوة لم تكن لتخلو من حسابات تكاد لا تحصر وهي حسابات لا تخلو من دهاء ورياء سياسي كبير هدفه الترويج والتسويق لجهود اسرائيلية وهمية لدعم موقع الرئيس الفلسطيني محمود عباس في المرحلة القادمة ذلك ان اسرائيل دأبت منذ نشاتها قبل بضعة عقود على استعادة بل افتكاك بيد ما تقدمه باليد الاخرى وكما ان كل عملية عودة علنية للأسرى كانت ترافقها حملة اعتقالات واغتيالات خفية كما أن كل انسحاب يتفق عليه من الاراضي الفلسطينية المحتلة كانت ترافقه هجمة استيطانية شرسة لاحتلال المزيد من الاراضي ومصادرة المزيد من المزارع وتشريد المزيد من الاهالي... لا احد اليوم ايا كان موقعه يمكنه ان يقلل من اهمية استعادة أي اسير لحريتة وانهاء محنته مع الاسر والغياب عن عائلته وابنائه بل لا يختلف اثنان في ان عودة كل اسير فلسطيني الى اهله عودة للحياة ومكسب انساني قبل كل شيء لا يستهان به وهو مكسب قد حولته اسرائيل الى وسيلة ابتزاز مفضوحة حتى ان بعض الصحف الاسرائيلية تساءلت بتهكم ما اذا كان الهدف من وراء هذه العملية التاكيد على حسن نوايا اولمرت ام بالاحرى التخفيف من حدة الازدحام في السجون والمعتقلات الاسرائيلية التي يحتشد بها نحو اثني عشر الف اسير دون اعتبار للاسيرات الفلسطينيات والاطفال الاسرى ايضا بعد ان اظهرت مختلف تقارير المنظمات الانسانية والدولية انه لا يكاد بيت فلسطيني او عائلة فلسطينية تخلو من وجود اسير او اكثر من افرادها لدى اسرائيل. لقد تغافلت الضجة الاعلامية الدولية الواسعة التي رافقت عودة الاسرى المحررين بالامس عن الكثير من الحقائق ولعل اولها وابشعها ايضا ان تستبق اسرائيل هذه الخطوة التي تابع اطوارها المجتمع الدولي باعتقال عدد جديد من الفلسطينيين والسماح لقواتها باغتيال المزيد من النشطاء في غزة التي تعيش أطوار اسوإ ازمة تواجهها على الاطلاق. ولعل الذين ما انفكوا يحذرون من ازمة انسانية وشيكة تدفع بغزة الى الهاوية ان يتوقفوا عن تحذيراتهم وان يتأملوا من حولهم ليدركوا ان الكارثة قائمة منذ اشهر وان الماساة مستمرة وهي تنذر بما لا يمكن لاي كان التكهن به امام حالة الفقر والاحتياج السائدة بين اهالي غزة لاسيما بعد ان امتد جيش العاطلين عن العمل الذين سدت امامهم المنافذ الى اكثر من سبعين الفا وهو رقم من شانه ان يؤكد ان نوايا اولمرت لا يمكن ان ترقى الى الجهد الادنى المطلوب لارساء جسور الثقة المطلوبة لتصنع السلام او تهيئ المناخ المطلوب لدعم ابو مازن على الساحة الفلسطينية... لقد قال اولمرت صراحة بعد انتهاء مهرجان انابوليس انه ليس مقيدا بموعد محدد لاتفاق سلام مع الفلسطينيين بعد ان اتضحت لديه على حد قوله حاجة الدول العربية الى التطبيع مع اسرائيل... ولعل الايام القليلة القادمة من شانها ان تكشف المزيد من نوايا اولمرت و تزيح الستار عن مخططاته المستقبلية بعد ان نجح في الاطاحة بمشروع القرار الامريكي امام مجلس الامن لتنفيذ استحقاقات انابوليس...