«الحرية... الحرية... الحرية... كل ما لديّ ثلاث كلمات اقولها ليس هناك اجمل من الحرية».. هذا ما قاله عبد الرحيم ملوح نائب الامين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وهو يعانق مهنئيه بعد اطلاق سراحه في اعقاب رحلة مع السجون والمعتقلات الاسرائيلية استمرت منذ اكثر من خمس سنوات، قبل ان يضيف بأن من لم يفقد طعم الحرية قد لا يدرك معناها. والحقيقة ان المشهد المؤثر للأسرى الفلسطينيين العائدين ومشهد عشرات العائلات الفلسطينية التي تجندت ساعات طويلة لاستقبالهم على وقع زغاريد الامهات لا يمكن باي حال من الاحوال ان يحجب الكثير من الحقائق المأساوية العالقة او ان يقلل من حجم التحديات الجسيمة والمصيرية للقضية الفلسطينية والتي تأمل اسرائيل في استغلالها لاستبلاه الراي العام واقناعه بجهودها الوهمية من اجل السلام وهي جهود لم تكن اسرائيل تقدمها الا لتحصد اضعافها على مختلف الاصعدة الاعلامية والديبلوماسية وخاصة الميدانية مع اصرارها على مواصلة سياسة الاستيطان الاحتلالي التوسعي.. اذ يكفي انه وقبل ان تبدأ اسرائيل الاعلان عن بدء عملية اطلاق الاسرى المحررين حتى كان الجيش الاسرائيلي يعلن انتهاء حملة اعتقالاته لذلك اليوم بأسر نحو عشرين فلسطينيا بين نابلس ورام الله وقلقيلية بما يؤكد ان ازمة الاسرى والمعتقلين الفلسطينيين اعقد واخطر مما تحاول اسرائيل اظهاره من حسن نية او ارادة لدعم محمود عباس على الساحة الفلسطينية.. لا احد أيا كان موقعه من حقه ان ينكر او يستهين او يقلل من اهمية عودة كل اسير فلسطيني مهما كان انتماؤه وايا كان سبب اعتقاله، ذلك ان عودة كل طفل سجين وكل ام وكل شاب او شيخ فلسطيني خبِر انتهاكات سجون الاحتلال وظلمه لا لذنب الا لانه رفض الخضوع لقيود المحتل من شأنه ان يحمل معنى جديدا للحياة وبصيص امل ايضا من اجل المستقبل مهما كان ضئيلا.. بالامس كان لكل من هؤلاء الاسرى حكاية يرويها عن تجربته مع سجانيه بين الذي لم يكتب له ان يودع ابا او اما رحل قبل ان يستعيد حريته وبين من لم ينعموا بفرحة ولادة طفل نشأ وترعرع دون ان يعرف وجه والده وغيرها ايضا من الحكايات الفلسطينية التي تعكس عقودا طويلة من القهر والاحتلال... لقد كشفت عملية اطلاق نحو مائتين وخمسين اسيرا فلسطينيا بالامس من السجون والمعتقلات الاسرائيلية ممن استكملوا او قاربوا على استكمال مدة سجنهم جزءا من مأساة مستمرة يعيش على وقعها مختلف ابناء الشعب الفلسطيني حيث لا تكاد تخلو عائلة او بيت من وجود احد ابنائها او اكثر خلف قضبان سجون الاحتلال حيث تكشف لغة الارقام ان اكثر من اثني عشر ألف فلسطيني من مختلف الاعمار والاجناس بينهم نساء ورضع ولدوا هناك يقبعون داخل السجون الاسرائيلية وان الآلاف من هؤلاء لم تقع محاكمتهم كل هذا طبعا دون اعتبار لبقية ابناء الشعب الفلسطيني المحاصرين في سجن مفتوح داخل سجن الاحتلال الاكبر من الضفة الى غزة فضلا عن الاف العالقين على معبر رفح في انتظار عودتهم الى ديارهم... ومن هذا المنطلق فانه اذا لم تتعزز عملية اطلاق سراح الاسرى الفلسطينيين المحررين بالامس بخطوات اكثر اهمية وجدية من الجانب الاسرائيلي وبدعم وضغط من الرباعية في اتجاه البحث عن حلول عادلة وشاملة للقضايا العالقة فان نتائجها ستكون على عكس ما يراد تحقيقه وعوض ان تعزز موقع عباس وتعيد اليه الثقة المفقودة على الساحة الفلسطينية فانها ستزيد في حجم الانشقاقات بين الفلسطينيين وستكون سببا لمزيد تعميق الاحقاد والضغائن بين ابناء البلد الواحد واصحاب القضية الواحدة الذين سيعتبرون بالتاكيد ان عودة الاسرى واغلبهم من ابناء حركة «فتح» تم على حسابهم وحساب ابنائهم وان في ذلك ما يكفي من الاسباب لمزيد الاستفزاز وتوفير الارضية المطلوبة في اتجاه اعادة الفوضى والدفع الى الانتقام وهو امر لا يمكن ان يخفى على الرئيس الفلسطيني ولا يجب باي حال من الاحوال تجاهله باعتبار ان هدف الاسرى الفلسطينيين جميعا واحد وهو الخلاص من الاحتلال وتحقيق الحرية..