أثار قانون المحاماة الجديد، الذي صادق عليه مؤخرا، مجلس الوزراء، في انتظار صدور مرسوم من الرئيس المؤقت للمصادقة عليه نهائيا، ردود أفعال عديدة من بعض الهياكل المعنية بالشأن القضائي... واحتجاجا على تمرير هذا القانون، دعا المكتب التنفيذي لنقابة القضاة التونسيين يوم السبت الفارط كافة القضاة إلى الدخول في إضراب عن العمل لمدة ثلاثة أيام بداية من اليوم إلى غاية بعد الغد، مع مراعاة حالات التأكد خلال فترة الإضراب حماية لحقوق المتقاضين.
استياء ورفض
وعبر المكتب النتفيذي للنقابة عن «رفضه القطعي لتوقيت وتمرير مشروع هذا المرسوم، والمصادقة عليه بمعزل عن رؤية شاملة لإصلاح وتطوير المنظومة القضائية، مؤكدا عدم استعداده للقبول بعدم المؤاخذة الجزائية للمحامين التي تفوق كل أشكال الحصانة، وتتنافى مع مبدإ المساواة أمام القانون». ومن جهته أعلن مكتب الجمعية الوطنية لغرف عدول الإشهاد في بيان أصدره أمس، عن الدخول في إضراب، كذلك، أيام 28 و29 و30 جوان الجاري معبرا «عن استيائه العميق لمصادقة الحكومة الانتقالية على مشروع المرسوم المنظم لمهنة المحاماة رغم معارضة العديد من أعضاء الجمعية عليه».. ومما جاء في بيان غرفة عدول الإشهاد «أن الحكومة الانتقالية لا تستند إلى أية شرعية، وليس لها لحق في المصادقة على مشاريع مراسيم مماثلة، تضر بقطاعات عديدة منها عدالة الإشهاد»... ودعا مكتب الجمعية الوطنية لغرف عدول الإشهاد رئيس الجمهورية المؤقت إلى «عدم الرضوخ للضغوط الممارسة عليه من طرف الهيئة الوطنية للمحامين» والامتناع عن إمضاء مشروع المرسوم المتعلق بتنظيم مهنة المحاماة... كما أعلنت أمس الغرفة الوطنية للمستشارين الجبائيين انها ستدخل بداية من اليوم في اضراب عن العمل يستمر 3 ايام احتجاجا على مصادقة الحكومة المؤقتة على المرسوم المتعلق بتنظيم مهنة المحاماة. وعبرت الغرفة في بيانها عن انزعاجها من جراء الانفلات في سن النصوص القانونية التي تمثل خرقا للمعاهدات الدولية المتعلقة بحقوق الانسان الاساسية ومن اهمها الحق في العمل وفي التقاضي. واضافت ان الحكومة المؤقتة لم تستشر الغرفة الوطنية للمستشارين الجبائيين عند المصادقة على المرسوم المتعلق بتنظيم مهنة المحاماة مشيرة الى ان المرسوم يضر بمصالح المستشارين الجبائيين. وفي ذات السياق أبدت جمعية القضاة التونسيين، في بيان لها كذلك، عن استيائها لتمرير مشروع قانون المحاماة، في هذا التوقيت داعية إلى ضرورة مراجعته، مستغربة من محاولة تمريره في هذا الظرف.
تساؤلات.. واستغراب
هذه المواقف من طرف القضاة. وعدول الإشهاد وغيرهم من المنتسبين للمنظومة القضائية حول مشروع القانون الجديد لمهنة المحاماة، أثارت عديد التساؤلات والاستغراب لدى المحامين.. ولرفع الالتباس وتسليط الأضواء على مشروع هذا القانون، تنظم اليوم الهيئة الوطنية للمحامين ندوة صحفية بأحد النزل بالعاصمة... ولكن كيف يعلق المحامون عن ردود الأفعال هذه؟.. في هذا الصدد، أكد مرارا، عميد المحامين عبد الرزاق الكيلاني أن قانون المحاماة الجديد، لا يستهدف أي قطاع من القطاعات ذات الصلة بالمنظومة القضائية، ولا يشكل أي مساس بحقوق و»استحقاقات» القضاة، وعدول الإشهاد، والخبراء المحاسبين ولا غيرهم ممن لهم علاقة بالمشهد القضائي... وفي هذا الشأن يقول المحامي لدى التعقيب مبروك كورشيد: «قانون المحاماة الجديد ثوري بامتياز، فأول مكسب تحقق للمواطنين فيه هو نيابة المحامي لدى الضابطة العدلية، حيث كان يُمنع في العهد البائد على المحامين أن يرافقوا منوبيهم إلى غرف الإيقاف الفظيعة، وحماية حريتهم من تعسف السلطة التنفيذية وانتزاع الاعترافات منهم دون وجه حق.. وهذه مسألة حريات بالدرجة الأولى، كانت محجوبة عن مواطنينا بفعل الطبيعة القمعية للعهد السابق... وسن هذه القاعدة الآن يؤكد الصبغة الثورية لقانون مهنة المحاماة الجديد». وأما «حصانة المحامي» التي وردت في القانون الجديد فيقول كورشيد في خصوصها: «كانت مطلبا لكل القوى الديمقراطية في المجتمع التونسي قبل الثورة، وهي «حصانة» مرتبطة فقط بممارسة المهنة، وليست حصانة عامة كما هو الأمر للسادة القضاة أو البرلمانيين... وتهدف هذه «الحصانة» إلى أن المحامون، عندما يقومون بواجبهم، لا يخشون لومة لائم»... وحول موقف عدول الإشهاد من مشروع قانون المحاماة الجديد يقول محدثنا: «ان عدول الإشهاد أول المستفيدين منه، فقد منع هذا القانون الكتائب الخطية من غير المحامين وعدول الإشهاد الذين أعطاهم هذا القانون الصبغة الإلزامة لتحرير عقود نقل الملكية، بعد أن كان القانون يخول لهم، فقط، حق تحرير عقود الرسوم العقارية.
أمر طبيعي
والخبراء المحاسبون..؟ في خصوص هذا القطاع يقول المحامي كورشيد: «كان منتسبو هذا القطاع يحررون عقود الشركات دون أتعاب وبطريقة غير مهنية.. واليوم، وبمقتضى هذا القانون يحرر تلك العقود رجال القانون، ثم يأتي دور الخبراء المحاسبين المتمثل في متابعة محاسبة الشركة والتدقيق.. وهذا عمل لم يسحبه منهم القانون الجديد لفائدة المحامين بل بقي مجالا خاصا بهم»... ويختم المحامي مبروك كورشيد حديثه قائلا: «إني أتفهم بعض الانتقادات التي تقول ان توقيت هذا القانون لم يكن مناسبا، ولكنني أقول لهم: إن المحاماة ليست مهنة استرزاق فقط، بل هي مهنة حرية، شأنها في ذلك، شأن الصحافة، والقضاء.. فهذه المهن الثلاث تقع على مسافة واحدة بين الكسب العيني وتحقيق المشروع الديمقراطي في مجتمعنا... وأن تراجع قوانين هذه المهن بصفة عاجلة، فذلك هو الأمر الطبيعي».