يدخل لبنان في لهيب أزمة سياسية جديدة بعد صدور القرار المتعلق باغتيال الحريري الذي يشير بأصابع اتهامه الى شخصيات يعتبرها "غير منضبطة" في حزب الله متورطة في اغتيال رئيس حكومة لبنان الأسبق وكذا شخصيات سورية على علاقة بنظام دمشق. فجريمة اغتيال الحريري ورغم صدور هذا القرار تبقى لغزا يؤرق مضاجع الجميع خاصة ان هناك من القرائن ما يثير الشكوك حول تورط الكيان الصهيوني في الاغتيال ومنها ما يذهب باتجاه إثارة الشبهات حول شخصيات على علاقة بالاستخبارات السورية. لكنها جميعا لا ترقى الى مستوى الأدلة القاطعة لتوجيه الاتهام الى هذا الطرف او ذاك وإنما تثير اللبس في أذهان المتابعين والمختصين في شؤون المنطقة وتحيط جريمة اغتيال الحريري بهالة من الغموض. ففيما يتعلق بالقرائن التي تطال بشكوكها جهات نافذة في دمشق فإنها تتعلق أساسا بضابط الاستخبارات السورية الذي رصدته كاميرات المراقبة أمام المستشفى الأمريكي في بيروت ، الذي توفي فيه رئيس الحكومة اللبناني الأسبق، والذي كان يتحدث الى جهات غيرمعلومة بأن كل شيء قد تم على ما يرام في إشارة رأى فيها كثيرون ومنهم الشاهد السوري، ابن مؤسسة بلاده الأمنية، المنشق عنها، والذي وصمته دمشق ب «الزور»، زهيرالصديق، تأكيدا على نجاح مخطط الاغتيال. بالإضافة الى المكالمات الهاتفية التي رصدتها الاستخبارات البريطانية من القاعدة الملكية البريطانية في قبرص والتي تحدث خلالها ضباط سوريون عن قرب التخلص من شخصية لها وزن في لبنان قبيل اغتيال الحريري. كما تثير قصة انتحارغازي كنعان المريبة أكثر من نقطة استفهام. فالرجل كان مكلفا بالملف اللبناني عالما بأدق تفاصيله وأغواره ويمتلك مفاتيح لعبته السياسية. وتغييبه تماماعن المشهد السياسي في ذلك التوقيت بالذات مباشرة بعد اغتيال الحريري وتوجه لجنة التحقيق الدولية نحو الاستماع الى شخصيات سورية، كان بحسب عديد المراقبين خشية على المعلومات والأسرارالتي يمتلكها هذا الرجل والتي يرجح ان من بينها ما يخص جريمة اغتيال الحريري ؛ اضافة الى شريط ابو عدس الذي بث بعيد الاغتيال مباشرة ويتبى فيه هذا الفلسطيني المنتمي الى الجماعات الأصولية السنية جريمة الاغتيال وكأن الطرف الذي نفذ هذه الفعلة يريد توجيه أصابع الاتهام الى التنظيمات الأصولية السلفية ليبعد التهمة عنه تماما. في المقابل فان ما قدمه أمين عام حزب الله حسن نصر الله في ندوة صحفية منذ قرابة السنة وفي خطابه الأخير من قرائن، كان يجب ان يوجه التحقيق أيضا باتجاه اسرائيل. حيث كان الكيان الصهيوني يرصد تحركات الحريري في بيروت وصيدا والمتن وكسروان قبيل اغتياله. وكانت طائراته الاستطلاعية متواجدة قرب مكان ارتكاب الجريمة يوم حصولها لرصد ما يحدث عن قرب ونقله الى تل ابيب. وما يعاب على لجنة التحقيق الدولية أنها لم تأخذ بهذه القرائن ولم تنظر بتاتا في فرضية تورط اسرائيل في هذه العملية رغم أهمية القرائن التي يمكن أن ترقى الى مستوى الأدلة الدامغة بعد فتح تحقيق في الغرض. ويرى كثير من المراقبين بان توجه لجنة التحقيق الدولية في هذا الاتجاه يعود لسببين إما لأن الأدلة التي لديها على تورط سوريا وجهات من حزب الله دامغة تغني عن التوسع في التحقيق باتجاهات أخرى. او أن لجنة التحقيق هذه مسيسة ومخترقة من جهات صهيونية لها مصلحة في ضرب حزب الله داخليا من خلال توجيه أصابع الاتهام إليه وخلق فتنة طائفية سنية -شيعية في بلد الأرز. وهذه الفرضية هي الأرجح على ما يبدو من خلال مجريات الأحداث. فتورط حزب الله في عملية اغتيال الحريري أمر مستبعد ولا توجد قرائن تبرره في الوقت الراهن الى حين الإعلان عن الأدلة التي قيل أن المدعي العام التمييزي اللبناني يحتفظ بها لحماية الشهود. وبانتظارأن تتجلى الحقيقة التي يمكن أن تظل فرضية بقائها طي الكتمان أمرا واردا يبقى سراغتيال الحريري أحد أهم ألغاز الاغتيالات السياسية في العصر الحديث.