بكثير من القلق والتوتر تحدّث عدد من أفراد عائلات شبان "حارقين" مفقودين منذ أشهر ل "الصباح".. وقالوا بنبرات تفضح حزنهم وإرهاقهم والدموع الحبيسة :"إنهم لم يحسّوا بالراحة منذ أمد بعيد.. وتحديدا من يوم أن أبحرت المراكب من صفاقس يومي 14 و30 مارس مقلّة فلذات أكبادهم في اتجاه جزيرة لمبدوزة الإيطالية, لكنهم لم يعلموا إلى غاية الآن إن كانوا قد بلغوا وجهتهم أم ابتلعتهم الحيتان".. وذكروا أن تلك المراكب "سافرت وأخذت معها أفئدتهم وطارت بالعقول إلى درجة أنهم أضحوا في شبه غيبوبة يقضون أيامهم ولياليهم هائمين على وجوهمم.. لا هم قادرون على النوم ولا على العمل ولا حتى على تحمل مرارة الانتظار".. وطالبوا على هامش لقاء جمعهم مؤخرا مع بعضهم البعض ومع حقوقيين وإعلاميين بالرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، "وزارة الشؤون الخارجية في حكومة تصريف الأعمال بمساعدتهم على العثور على المفقودين أحياء كانوا أو أمواتا". وجع لا يطاق قالت ربيحة النصراوي إنها تبحث عن بلحسن ساسي الذي غادر يوم 14 مارس هروبا من البطالة ويبلغ من العمر 28 سنة ولديها معلومات أنه وصل إلى إيطاليا لكنه لم يتصل بها.. وفي المقابل تشير نجوى الماجري القاطنة بالجبل الأحمر أنها لا تعرف شيئا عن ابنها سيف الدين البالغ من العمر 27 سنة والذي غادر البلاد يوم 30 مارس بعد اقتراض مبلغ مالي خفية من جدته.. أما منية بوليلة القاطنة بالملاسين فهي تبحث عن ابنيها أشرف ومحمد علي بوليلة ويبلغان من العمر تباعا 22 و20 سنة.. قالت إنها هي التي أعطتهما مبلغ "الحرقة" لأنهم ذاقوا المرّ بسبب الفقر واليتم. وعبرت عن استعدادها لتقديم مبالغ تذاكر السفر مقابل إعادة إبنيها.. وذكر عز الدين الفرشيشي أنه يبحث عن ابنه حمزة الفرشيشي البالغ من العمر 23 سنة والذي غادر يوم 30 مارس في ظروف غامضة لأنه لا يعرف من أين جاء بمعلوم الحرقة إلى حد اليوم.. وفي نفس التاريخ غادر وليد معمري البالغ من العمر 33 سنة وتقول شقيقته السيدة إنها بدورها لا تعلم شيئا عن المفقود وعبرت عن رغبتها في تفاعل الحكومة مع مطالب عائلات الحارقين.. وهو نفس ما ألحت عليه لطيفة السويح والدة صبري الصولي البالغ من العمر 25 سنة القاطن بحمام الأنف وقالت إنها تتحرق أيضا لمعرفة أخبار أصدقاء ابنها رضوان الكاهية ومحمد أمين العابد ومحمد فؤاد بن ابراهيم ومحمد بن عيسى ورامي الغريسي.. وعبرّ علي النقاشي شقيق أحمد النقاشي عن أمله في عودة شقيقه الذي غادر يوم 14 مارس وهاتفهم يومها وقال إنه على قاب مسافة قصيرة من الجزيرة لكن سرعان ما انقطع الاتصال وغابت أخباره إلى اليوم.. يضيف نور الدين المباركي "لقد غادر ابني كريم المنزلالكائن بحي ابن سينا بالعاصمة يوم 29 مارس وكان من المفروض أن يصلوا لمبدوزا يوم 30 وفي نفس ذلك اليوم كان برلسكوني في زيارة إلى الجزيرة.. انتظرنا طويلا أخباره لكن دون جدوى.. فلا رسالة ولا إرسالية قصيرة ولا هاتف ولا أي معلومة تروي العطش.. ترددنا كثيرا على وزارة الخارجية لكننا لم نحصل على أي معلومة.. ونحن نطالبها بأن تبذل مساع أكبر للبحث عن المفقودين". وتقول زهرة محمدي باكية: "أريد أن يعود ابني إلى البلاد.. أريده حيا أو ميتا ليطمئن قلبي لأنني لم أعد قادرة على تحمل كل هذا الوجع الذي ينخر قلبي في كل لحظة حتى أنني هجرت داري وأصبحت أقضي كامل اليوم أمام الباب في الشارع في انتظار أي خبر".. امتصاص الألم الأستاذ عبد الرحمان الهذيلي عضو الهيئة المديرة للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان مثّل الرابطة في هذا اللقاء.. تجمهر العشرات حوله يحدثونه في نفس الوقت عن أبنائهم المفقودين.. وكان يجيب بمنتهى الهدوء محاولا امتصاص آلامهم والتخفيف من معاناتهم.. أفاد الهذيلي : بلغ عدد الحارقين منذ 14 جانفي نحو 25 ألف تونسي منهم عدد غير معلوم غادروا يومي 14 و29 30 مارس الماضي ولا توجد بعد أخبار دقيقة عنهم.. وهذا ما ضاعف قلق عائلاتهم.. لذلك رأت الرابطة مساعدتهم وإتاحة الفرصة لهم للتعبير عن مآسيهم". وبين محدثنا أن هناك إجماعا منهم على التعامل الفوقي لوزارة الخارجية مع ملفهم كما لو أن الثورة لم تحدث ودعا الحكومة المؤقتة لإيجاد حل. تفاعل خلافا لما أكده العديد من أفراد عائلات الحارقين المفقودين من سوء المعاملة التي يتعرضون لها في وزارة الشؤون الخارجية، أفاد السيد هشام بيوض مدير عام الشؤون القنصلية بوزراة الشؤون الخارجية في اتصال هاتفي به مساء أمس : "إننا نبذل قصارى الجهد بالإمكانيات المتاحة لدينا بالقنصليات وبمساعدة الملحقين الاجتماعيين للتحقق من المعلومات التي يقدمها لنا أفراد عائلات المفقودين.. فالعملية ليست بسيطة وتقتضي الكثير من البحث والتثبت خاصة وأن بعض الحارقين لا يقدمون معطيات صحيحة عن هوياتهم خوفا من الترحيل.. وهذا يضاعف صعوبات الوصول إلى معلومات بشأنهم". وذكر مخاطبنا أن الإدارة العامة للشؤون القنصلية علقت في البهو المعطيات التي بحوزتها حول أسماء الحارقين التي لديها معلومات عنهم وبين أنها تستقبل يوميا المواطنين ويحاول الموظفون تفهم الحالات النفسية الصعبة للناس وامتصاص غضبهم.. كما تساعد الادارة الحارقين الراغبين في العودة بتوفير معاليم السفر وتحيط بمن يريد الاستقرار هناك رغم صعوبة ظروف الهجرة حاليا.. سعيدة بوهلال