دفعني موقف «مصر الثورة» من عمليّة الاقتراض من المؤسّسات المالية الدّولية وتخلّيها عن وعي ودراية عن شروطها وتوابعها الاقتصاديّة والسّياسيّة الدّاخلية والخارجيّة، وآثارها المادّية والمعنويّة العاجلة والآجلة، إلى أن أجهر برأي كنت في بداية «ثورة تونس» تحدّثت به إلى بعض الأصدقاء الأفاضل، دون إلحاح، وتحرّزا من التّأويل الفاسد ممّن يتوهّم، من الفاسدين والمفسدين في الأرض الّذين يسعون إلى طمس مكاسب الثّورة ويتحايلون على الحداثة والوطنيّة والثّورة من جهات شتّى، أنّه وصيّ على الثّورة وأنّه من أهل الرّأي والنّظر، ومن أصحاب النّضال والمعارضة ونحن ندرى دراية حقيقيّة ووثائقيّة وتاريخيّة فساد تلك النّخب الواهمة والطّاعنة في التّخلّف والضّاربة في الانتهازيّة والوصوليّة وإن كان بامتصاص الدّماء والتّشبّث بالامتيازات...وتلك قضيّة أخرى... ولذلك أتوجّه إلى جميع اللّجان المستحدثة، بعد الثّورة، أن تعضد دعوتي إلى أن تستحدث تونس، بشكل من الأشكال التي يراها وزير المالية، صالحة ومجدية، اكتتابا ماليا يشارك فيه الموظّفون التونسيّون، في القطاعين العامّ والخاصّ (وإن كنت معنيّا بالقطاع العامّ)، لمدّة سنة كاملة وبصفة شهريّة، بمبلغ ماليّ يتراوح بين عشرين دينارا من أجرة الموظّف الّذي يتقاضى راتبا يفوق ثمانمائة دينار، شهريا إلى مائة دينار من راتب رئيس الدّولة. وأعتقد أنّ ذلك أمر غير عزيز على مبادئ الثورة والحرية والدّيمقراطية. وهو موعد حقيقيّ مع الثورة قولا وفعلا، بعيدا عن الجزاء والشكر والمطالب الشخصيّة، والمهاترات واللّجان وهدر الطّاقات في المناقشات البيزنطيّة الّتي نحن في غنى عنها. وسنرحّب بكلّ من يقدّم لثورة تونس الإعانات والهبات ولن نكون في حاجة ماسّة إلى القروض وارتهان القرارات.