بلغ عدد الأحزاب المرخص لها 100 حزب، بعد الاعلان عن 6 أحزاب جديدة لتؤثث هذا المشهد... ورغم ذلك بقي دور المستقلين فاعلا في المشهد السياسي رغم اتخاذه أشكالا مختلفة، فماهو موقع المستقلين في هذا المشهد؟ فالبداية وإثر الثورة، كانت انطلاقة عمل المستقلين محتشمة، وهناك منهم من انخرط في العمل الحزبي وأصبح رقما في تلك الهياكل وانخرط في اللعبة الحزبية ففقد صفة المستقل.. ولكن سرعان ما أعلن العديد من المستقلين انخراطهم في عمل جمعياتي مدني وسياسي واخرون في عمل ذوبعد تنموي اجتماعي.. أوثقافي يعنى بمسائل الهوية وغيرها من الأعمال والاهتمامات.. من ناحية أخرى فقد تأثثت مثلا الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة بعشرات من لقبوا ب "الشخصيات الوطنية" وهم في العموم شخصيات عرفت ليس باستقلالها الفكري ولكن باستقلالها عن الأحزاب.. وتحضيرا للاستحقاق الانتخابي المقبل في البلاد ورهاناته تعمل مثلا عدد من المنظمات والجمعيات ومنها جمعية "ميثاق للتنمية والديمقراطية" وجمعية "راد أتاك" و"المنظمة التونسية من أجل المواطنة"والتي تضم بدورها مستقلين عديدين على صياغة دستور عن طريق جمع مقترحات المواطنين الأولية وترجمتها في شكل مشروع دستور سيعرض على أعضاء المجلس التأسيسي.. وهي مبادرة شهدتها تجارب عدد من البلدان..
ليسوا مستقيلين
مواقف المستقلين واهتمامهم بالشأن العام بل انخراطهم المباشر واحتكاكهم بما يجري في البلاد، يعد رد فعل واضح ومحاولات متواصلة لفرض وجود هذه الفئة غير الصغيرة.. من ناحية أخرى فان المستقلين ليسوا "مستقيلين" عن الشأن العام بل يعملون من أجل تكريس مرجعياتهم وأفكارهم، رغم أن زهير مخلوف يرى أن دورهم "همش في هذه المرحلة أمام الأحزاب والتجاذبات الحاصلة بينها.." وعديدة هي المبادرات المواطنية كما المعتنية بمسألة الهوية والبيانات المشتركة التي خرجت عن أحزاب سياسية ومستقلين أيضا، وانخرطت في العراك السياسي... فقد انخرطت مثلا أمس في مسيرة للدفاع عن الديمقراطية وإنجاح الانتقال الديمقراطي عدد من المبادرات ومنها مبادرة المواطنة ومواطنة وديمقراطية ورابطة المستقلين الديمقراطيين والائتلاف الوطني لمستقلي القطب وكفى تشتتا إلى الأمام.. كما لا ننسى أيضا مبادرة مجموعة 13 في الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والتي تكونت من عدد من المستقلين أعضاء الهيئة وذلك محاولة منهم لإرجاع الوفاق والعمل على "تصحيح مسار الهيئة" حسب موقفهم. من جهته يعتبر حمادي الرديسي أنه يجب الفصل بين المثقف "فالمستقل سياسي يبغي لعب دور في الحياة السياسية ومنخرط في استحقاقات هذا العالم _عالم السياسة_... ومستقلوا اليسار كما مستقلي اليمين يلعبون أدوارا معروفة في هذه المرحلة وهم أحرار".
تموقع
يبدو أن المستقلين من جهة أخرى ليسوا بمعزل عن التجاذبات الحاصلة في البلاد، وخلافا لانتمائهم الحزبي المباشر.. فان عددا منهم يقولها صراحة عبر الموقف السياسي أوعبر الخطاب أنه على اليمين أو على اليسار، وقد يدرج نفسه في معارك تخوضها الأحزاب... وهذا التموقع هو حق حسب العديدين... فالسياسة في نهاية الأمر فن تجسيم الأفكار والمنطلقات والتموقع أيضا. وينتقد هنا حمادي الرديسي المستقلين الذين حسب رأيه كانوا نتاج حياة سياسية دكتاتورية ولعبوا أدوارا كبيرة في إضعاف الأحزاب السياسية.. "فهل يعقل أن يفاوض مجموعة مستقلين حزبا سياسيا أوهيئة؟ هذا غير موجود في المجتمعات الديمقراطية..فعددهم قليل جدا...ولكن هذه المجموعات عليها أن تؤسس أحزابا مثلا ". في المقابل يرى زهير مخلوف الذي يعتبر نفسه مستقلا أن هناك مستقلين أكبر من الأحزاب وفوق الأحزاب وقد يكون دورهم أعلى شأنا من تلك الهياكل... ويبدوأن الديمقراطية الفتية التي تعيشها البلاد وعدم وضوح الرؤية في المشهد الحزبي الكثيف والغامض إلى الآن... وشك عدد من الشخصيات في عمل تلك الهياكل فان عددا لا بأس به من المستقلين غير قادرين أوخيروا بطبيعة تكوينهم عدم العمل الحزبي الخطي الضيق بما فيه من التزام صارم وعمل دوري متواصل دون انقطاع ومسؤوليات كبيرة وصغيرة كل حسب طاقته وكل حسب إمكانياته، وهو ما قد يجعل المستقلين رقما آخر وفضاء إضافيا يعمل الجميع على استقطابه والظفر برضاه.. إلى درجة قلب موازين القوى... وقد يكون استحقاق المجلس التأسيسي دليلا على ذلك.