تعالت في المدة الأخيرة أصوات تدعو إلى المصالحة.. منتهكة بقية مراحل العدالة الانتقالية وأهمها المحاسبة الأمر الذي أثار غضب الشارع التونسي وحرّك فيه رغبة في الثورة من جديد.. فهل الدعوة إلى التسامح معقولة في هذه الحالة أم أن للتسامح حدودا لا يمكن تجاوزها؟ للإجابة عن هذا السؤال اتصلت "الصباح" بالأستاذ صلاح الدين المصري رئيس الرابطة التونسية للتسامح وهي جمعية تأسست بعد الثورة بهدف التصدي للتعصب بجميع أشكاله الجهوي والسياسي والديني والطبقي نظرا لآثاره السلبية على المسار الديمقراطي.. وبين المصري أن للتسامح حدودا...وأن الرابطة التونسية للتسامح رفعت منذ تأسيسها شعار العدالة ثم العفو...أي أنه لا يمكن الحديث عن تسامح مع المجرمين الذين قتلوا الشهداء ومع المفسدين الذين نهبوا أموال الشعب وامتصوا عرق الكادحين... وحتى عند الحديث عن التسامح من وجهة نظر فلسفية فإن هذه القيمة لا يمكن أن تكون إلا بوجود ما يعادلها وهي العدالة. ولاحظ أن العدالة يجب ألا تكون عدالة شعبية.. وعدالة تصفية حسابات.. بل هي عدالة قضاء مستقل لأنه هو السبيل الوحيد لتحقيقها.. كما ان الحق يؤخذ مسامحة أي المطالبة بالحقوق دون عنف.. ويساعد ارساء هذا المسار على حد قول صلاح الدين المصري على تحقيق مجموعة من الأهداف أهمها اكتمال الثورة دون مشاكل ودون ان تشوبها ردود فعل عنيفة.. وفي هذا الصدد طالبت الرابطة التونسية للتسامح بتكوين لجنة قضائية مستقلة توكل لها صلاحيات واسعة وتكلف بمعالجة ملفات الفتنة لأن الشعب التونسي أثبت عجزه عن مجابهة الفتن نظرا لعدم خبرته في إدارتها وفي التصدي للإشاعات المغرضة. وتقتضي معالجة الفتن من القضاء التنقل على عين المكان حيث تنشب الفتنة للحديث مع الناس وامتصاص غضبهم وطمأنة أهالي الضحايا والمتضررين بأن العدالة ستنصفهم، ولإقناع أهالي من اعتقلوا بأن الاجراءات ستكون في كنف الشفافية واحترام القانون. ويساهم مثل هذا التواصل في دعم الثقة بين الشعب والقضاء بما يحمي البلاد من تكرر مثل تلك الفتن. وأكد المصري على أن إرساء قضاء مستقل هو مسؤولية مشتركة بين القضاة ووزارة العدل. وإذا تم إطلاق سراح متهم قبل محاسبته على ما اقترف من مخالفات وجرائم فإن ذلك فيه اعتداء على الشعب وعلى القضاء. لأن هذه العملية تتسبب بالضرورة في إحداث الفتنة نتيجة لافتقاد الثقة بين المواطن وبين الدولة. واذا افتقد المواطن الثقة في الدولة فإن المسار الديمقراطي سيكون مهددا برمته.