مثلما عودت المطربة درصاف الحمداني الجمهور بانتقائها لأفضل الأغاني التي من شأنها أن تسمو بالمشاعر وتهذب الأحاسيس فإنها استهلت سهرتها بالمسرح البلدي في إطار مهرجان المدينة بالعاصمة بأغنية "عليك صلاة الله وسلامو" لاسمهان،في مدح الرسول..واحتراما لمضمون هذه الاغنية وأبعادها الروحانية ارتدت حجابا ولباسا محتشما مما أعطى للعمل نفسا صوفيا.. وهكذا فإن درصاف الحمداني تؤكد مرة أخرى أنها تصر في زمن تستباح فيه كل الضوابط الفنية على آداء أصعب الألحان والأشعار ذات المعاني الهادفة والذوق الرفيع حيث تنهل من رصيد عمالقة الفن العربي وكأنها تسعى للمشاركة في الحفاظ على ديمومتهم وتخليد أعمالهم النادرة.. وقد أكدت درصاف الحمداني مجددا على هذا التوجه من خلال التنفيد الموسيقي والآداء الرائع في سهرة السبت الماضي بالمسرح البلدي بالعاصمة.. بصوتها الجميل وحنجرتها الذهبية اقترحت درصاف الحمداني على جمهورها مجموعة من أحلى أغاني اسمهان وأم كلثوم وعبد الحليم حافظ وفيروز وصليحة ونعمة ورضا القلعي..أغان لا يتيسر اتقانها إلا لمن كانت له طاقات هائلة في الآداء وموهبة مؤكدة.. ولكن فنانتنا بصوتها المتفرد وحرفيتها العالية أبدعت وأقنعت..مما جعل الحاضرين يتفاعلون معها تفاعلا كبيرا وغالبا ما كانوا يرددون معها الكلمات ويترنمون بالألحان. اختيارات لها أسبابها بعد أغنية عليك «صلاة الله وسلامو» غنت درصاف مجموعة من الأغاني من منابع الفن الأصيل على غرار «أنا أهوى» لنفس الفنانة ف-القلب يعشق كل جميل-لأم كلثوم ف»ليالي الأنس في فيانا» لاسمهان ثم «أنا لك على طول خليك لي» لعبد الحليم حافظ ف-عصفور طل من الشباك لأميمة خليل وهي أغنية تحمل ايحاءات تهم وضع العالم العربي وما يتخلله من آمال عريضة تجاه الطغوت.. أدت كذلك»امتى حتعرف اني بحبك» لاسمهان ف»تذكر آخر مرة شفتك» لفيروز..ليكون الجزء الثاني من السهرة بمثابة تكريم لعمالقة الفن التونسي واحتفاء بتراثنا الاصيل إذ غنت درصاف لرضا القلعي»ناري على جرجيس وبناويتها» ثم فراق غزالي لصليحة فبخنوق ف»خاتم حبيبتي»(من التراث) وكذلك «آه يا خليلة» للفنانة صليحة. ومهما تعددت الآراء حول الفنانة درصاف الحمداني وخاصة فيما يتعلق بتركيزها على أغاني الغير فإنه لا يمكن أن ننكر أن هذه الاختيارات ليست في متناول كل فناني هذا الزمن لما تتميز به من مقامات مختلفة وايقاعات متعددة، فهي تتطلب مساحة صوتية كبيرة وصوت طروب، إضافة إلى الثقافة الموسيقية الشاسعة التي تجعل الفنان ينتقل من مقام الى آخر بكل أريحية.. خصال موسيقية تميزت بها الفنانة درصاف الحمداني ولا تزال، بعيدا عن الفن الهابط وعن الإسفاف حفاظا منها عن المضمون الهادف..وهو أمر يحسب لهذه المطربة المبدعة التي تستحق الدعم والتشجيع.