يؤكد الملاحظون السياسيون أن حركة الشعب الوحدوية التقدمية، أول حزب سياسي شهد بعد الثورة، تصدعا كبيرا أدى الى تشظيه وتفتته، استنادا الى التجاذبات والانقاسامات التي شهدها بين كوادره، والى استقالة عدد كبير من خيرة شبابه المناضل والأكاديمي.. وقد بلغ تشظي هذه الحركة أقصاه، لما أقدم مؤسسها العميد البشير الصيد على الاستقالة بسبب حياد العديد من كوادر الحركة «الوافدين» من «حركة الشعب» والمنضمين ل«الوحدوية التقدمية» والذين يقودهم خالد الكريشي ومبروك كورشيد وزهير المغزاوي عن الشرعية والنضال داخل مؤسسات الحركة، من مكتب سياسي ومجلس قطري وفروع جهوية. ومن موقع مسؤوليته حاول مؤسس هذا الحزب رأب الصدع والحفاظ على وحدة الحركة وصونها من الانقسامات والتشظي في هذه المرحلة الحساسة والحاسمة، وتونس الثورة مقدمة على استحقاقات سياسية مهمة جدا..
تعنت..
ولكن سعي العميد البشير الصيد قوبل بالتعنت من طرف «الوافدين»، مصرين على التسريع بعقد المؤتمر وحددوا له تاريخ 21، 22 و23 أوت الجاري، متجاهلين النداءات المتتالية من مناضلي الحركة الخلص والأوفياء الى تحديد المسؤوليات عن حالة شل نشاط المؤسسات الرسمية للحركة المتولدة من القفز عن الشرعية.. ورغم أن الصيد كان قادرا قانونيا، باعتباره المنسق العام والمؤسس للحركة، على تعطيل عقد المؤتمر، لكنه لم يفعل استنادا الى مبادئه الوحدوية وأخلاقه السياسية، كما أنه أصر على الاستقالة حتى لا يكون سببا في تشظي وتشرذم وانقسام حزب وحدوي ناصري... ولكن يبدو أن الانقسام والتشظي والارتجال السياسي هو «المكتوب» على هذه الحركة، فالمؤتمر الذي تشبث بعقده «الوافدون» شابه الكثير من الغموض وتخللته هنات عديدة، على الصعيدين التنظيمي والسياسي، وحتى الحضور فقد كان «إخوانيا» و«عائليا» و«جهويا» أكثر منه «حزبيا» و«سياسيا».. بل ذهب عديد الملاحظين السياسيين الى «التأكيد» أن المؤتمر الأول لحركة الشعب الوحدوية التقدمية طغت عليه «المراهقة السياسية» و«الارتجال السياسي»، فالتركيبة الجديدة للمكتب السياسي لهذه الحركة بعد المؤتمر المتسرع، تعرضت لنقد لاذع، باعتبار أن التيار النقابي يمثل الأغلبية فيها، بل هناك من الأسماء من يحضر لمؤتمر اتحاد الشغل ويعمل جاهدا على افتكاك منصب نقابي ضمن المكتب التنفيذي الجديد للاتحاد.. كما أن المكتب السياسي الجديد لهذه الحركة شهد منذ الأيام الأولى تصدعا وتجاذبات، فهناك من عبر عن رغبته في تحمل مسؤولية، ثم تراجع في ذات اليوم رافضا الانضمام أصلا للمكتب السياسي، بل هناك من تحمل مسؤولية وفي الغد قدم استقالته!!
مهمتان.. وبعد؟
وأما عن توزيع المسؤوليات صلب المكتب السياسي الجديد، فحلل ولا حرج.. ويبدو في هذا السياق أن خالد الكريشي أسندت له مهمة الناطق الرسمي وهو غائب عن الاجتماع، وقد نافسه في هذا المنصب «شريكه» وصديقه مبروك كورشيد، ولكنه لم يفلح.. والمفارقة أن أمين مال الحركة صلب المكتب السياسي الجديد «مناضل قومي» عاطل عن العمل.. وأما المنسق العام الجديد زهير المغزاوي فهو أحد الوجوه النقابية المعروفة في نقابة التعليم الثانوي، وحول «مهمتيه» هناك سؤال يطرح بإلحاح مؤداه: من أي المهمتين سيستقيل المغزاوي؟.. من المهمة النقابية أم من المهمة السياسية؟ وفيما يتعلق بالمنسق العام المستقيل، والمؤسس للحركة العميد البشير الصيد، يتساءل الكثير من الملاحظين السياسيين عن مشاريعه المستقبلية، وهو المهووس بالسياسة التي لا يمكن أن «يطلقها»، خاصة وقد أشار في بيان استقالته الى أنه سيواصل مسسيرته النضالية على مختلف الأصعدة، وفي المواقع والأطر المختلفة الممكنة والمتاحة.. ولا يختلف اثنان في أن البشير الصيد سياسي محنك وله تجربة نضالية طويلة في صلب التيار القومي، ومن هنا، فمن الأكيد أنه يخطط لمشروع ما، سيفاجئ به المشهد السياسي التونسي، وخصومه على حد السواء، خاصة أنه يمتاز بعلاقات قوية وجيدة مع عديد الأحزاب والمنظمات، وكل مكونات المجتمع المدني.. فما هو المشروع السياسي الذي سيفاجئ به البشير الصيد الأصدقاء والأعداء؟ ذلك ما ستكشفه الأيام القليلة القادمة.