بقلم: فتحي الزغل بسقوط الطاغية "معمر القذافي" يوم السبت العشرين من شهر أوت الفارط، انجلت في تقديري غمم ثلاث لا تقل أهمية أحداها على الأخرى... فالغمة الأولى هي بلا شك غمة استبداده وتسلطه وديكتاتوريته على الشعب الليبي، هذا الشعب الذي عده الدارسون في شؤون الديمغرافيا لسنوات، في عداد الشعوب الجاهلة الأمية ففند بثورته البطولية التي لم نر مثيلا لها في التاريخ الحديث هذه الأقاويل والأحكام، وسطر بدمائه نظرية جديدة تقوم على استحالة التنبؤ بحركات الشعوب مطلقا، فما فعله "القذافي" في الشعب الليبي من تجهيل وتفريق قبلي صرفهم به عن الحرية والعلم والمعرفة في مفهومها الشامل رغم الثروة الهامة التي يتمتع بها هذا البلد، يرقى لوحده إلى صنف الجريمة ضد الإنسانية. والغمة الثانية هي غمة تقتيله لشعبه بكل أنواع الأسلحة التي طالتها يده، إذ لا ننسى أنه قمع الاحتجاجات والمظاهرات في أيامها الأولى في بنغازي بالطائرات والصواريخ والراجمات، وأنه استعمل في أكثر من مرة في أيامه الأخيرة صواريخ "سكود" وما تلحقه هده الصواريخ الإستراتيجية غير التكتيكية من قتل جماعي لا يفرق بين المقاتل والمدني، وبين حامل السلاح والمسالم، وهنا لابد من الإشارة في تقديري إلى أن تقاطع مصالح الغرب السياسية والاقتصادية مع فكرة الانعتاق والتحرر التي تبناها الليبيون وساندها القطريون الإماراتيون، هو الذي أوصل الثورة لهدفها بتوفير حماية جوية كبلت القوة الجوية للعقيد، والذي لم يكن ليهرب من عرينه مع كتائبه لو لم يُلجم بقوة أكبر منه..فكلنا يتذكر تلك الصور والمشاهد الأليمة التي تطلع علينا عبر الفايسبوك والفضائيات والتي تشهد على وحشية وعدوانية نظام "القذافي" وأبنائه.. لكن على من؟ عل شعبه الذي صبر على غبائه 42 سنة كاملة حكمه فيها بالحديد والنار حكما ليس فيه من صفات الرشيد صفة واحدة. أما الغمة الثالثة فهي أوسع وأشمل من السابقتين، إذ أنني من الذين حمدوا الله على انقشاعها يوم سقط "ملك ملوك النينجا" لأنها مستني مع من مستهم بصفة مباشرة وغير مباشرة.. أتدرون ما هي؟ هي استتباب أمر الحكم في أمتي لمجنون.. مع ما تحمله هذه الفكرة من سلبية تصيبني بالإحباط كلما فكرتُ فيها... فقد كنت أصنف "قاهر السلاحف" مند بدايات انتباهي لظاهرته في صفوف الكوميديين الهزليين، لما لآرائه التي ما انفك يصدع بها في آلته الإعلامية الطيعة من ضعف في الرأي وقلة حجة، تضحكني بدل إعمال الفكر فيها، ولعل أكبر مثال على ذلك أصل اسم "شكسبير" من أنه " الشيخ زبير".. وحكاية تنصيب نفسه "ملك ملوك أفريقيا" وأنه "أمير المؤمنين" و"زعيم قبائل إفريقيا".. وحكاية صرف آلاف المليارات من مقدرات الشعب الليبي وحقه، على قضايا وأفعال فشلت تاريخيا وإيديولوجيا وحركيا في النصف الثاني من القرن العشرين مثل الجيش الجمهوري الإيرلندي، وإسقاط الطائرات المدنية ثم تعويض الضحايا.. وجلب حسناوات إيطاليات بأجر خيالي ليقفن خلفية له في خطابه في روما مؤخرا.. كل هذه الحركات والإرهاصات والفلتات تجعل من الرجل قريبا من الإضحاك بعيدا عن الجد، فببساطة أكثر فإن "صقرنا الوحيد" وكما سمى هو نفسَه بهذا الاسم الذي يكشف لوحده عقدا، قد جمع عديد الصفات التي ترد في علوم النفس تحت تعريف العصابي المهووس بالعظمة، وذاك ما أثر سلبا في أدائه السياسي الوطني والإقليمي والعالمي على حد السواء. ولعلي في آخر هذه الكلمة أتوجه بنصيحة للشعب الليبي بعد إسقاطه لهذا الطاغية المتعجرف، تخلصه وتخلصني من الغمم التي عرضتها سابقا، ومن الغمم التي لم أتعرض لها وهي كثيرة، نصيحة.. لا تزيد عن الاهتمام بالعلم أولا وبالمعرفة ثانيا وبالتعليم ثالثا.