ثورة قطعت مع كل ما سبق رفعت شعارات تطالب بالحرية والديمقراطية تلتها حكومتان للغنوشي وأخرى للقائد السبسي.. ساحة سياسية تضم أكثر من مائة حزب.. خطابات ووعود بالتشغيل وتحقيق العدالة الاجتماعية... تصريحات وأقاويل بوجود حكومة ظل.. فوضى وعنف وعودة ل"العروشية" شهدها شمال البلاد وجنوبها.. حالة أمنية متذبذبة.. صعوبات اقتصادية.. ودعوى لتطبيق قانون الطوارئ... فكيف يرى المواطن التونسي الوضع العام للبلاد بعد مرور ثمانية أشهر عن الأحداث الساخنة؟ وهل يقاسم النخبة والحقوقيون مواقف عامة الناس وآرائهم؟ وكيف يقيم علم النفس الاجتماعي ردود فعل التونسي؟
أمن مفقود.. وغموض...
رفض عدد من المواطنين الذين التقتهم "الصباح" يوم أمس الخوض في أي حديث يرتبط بالسياسة أوالوضع العام للبلاد واعتبروا أن المسألة لا تعنيهم.. في حين اتسم موقف آخرين بالسلبية المفرطة حيث قال أشرف العش (22 سنة - مستوى باكالوريا) ليس لي أي موقف أو رأي حول الأحداث الأخيرة أوالتي سبقتها فأنا بعيد عن كل ما هو سياسي.. وما لمسه مؤخرا هو انعدام التواجد الأمني في أكثر من مناسبة مما ولد تخوف عند أغلب المواطنين وارتفاعا في نسبة الجريمة على غرار السرقة و"البراكجات". وبالنسبة لرضا الطوزي (33 سنة مستوى ابتدائي) فيرى ان تتالي الأحداث قد أفرز قرارات غير مفهومة وحالة من الغموض أفقدت الشارع التونسي الثقة في القرار السياسي وكانت سببا في حالة الفوضى التي يعيشها المواطن اليوم.. وبكثير من الجرأة حمل بوقرة مسؤولية الانفلاتات الأمنية للحكومة وقال: " الحكومة ليست بصدد آداء مهامها والبلاد بصدد السيرالى الخلف..." عبير العيسى (27 سنة تقني سامي) اعتبرت أن ما قامت لأجله ثورة 14 جانفي لم يتحقق بعد، كما أن غلاء المعيشة والأمن المفقود والمحاباة داخل الادارة مازالت قائمة... وخطاب الوزير الأول أول أمس قد رفع من حالة الخوف عند المواطن الذي أصبح ينتظر انسحابا أمنيا مفاجئا.. قد يزيد من حدة الأزمة الأمنية. أما عفيفة الأندلسي (50 سنة- موظفة) قالت أن الوضع على ما هو عليه ونسبيا تعد حكومة قائد السبسي أنجع من الغنوشي ونعلم أنه لا يملك عصى سحرية وحملت في السياق المسؤولية كاملة للشعب الذي يملك مستوى وعي محدود جدا أكدته مناحرات العروشية والفوضى وتشريع قانون الغاب.. وهي ترى أن حزم خطاب الوزير الأول من شأنه أن يعدل الأوضاع قبل انتخابات التأسيسي.
علم النفس يفسر
بالنسبة لتقييمات الشارع التونسي للأوضاع بينت جهان مرابط مختصة في علم النفس الاجتماعي أنه من الطبيعي أن يكون عند أغلب التونسيين حالة من الخوف، على المستقبل أساسا فالتغييرات التي نشهدها سياسيا واقتصاديا واجتماعيا هي التي ستحدد نمط عيش التونسي مستقبلا والمواطن يخاف من هذا التغيير. أما السلبية أوحالة الرفض التي تبناها عدد آخر من التونسيين فاعادتها مرابط الى انعدام الثقة لدى التونسي في السياسيين والاعلاميين على حد السواء فهو يرى أنه خدع وتلقى وعود لم تتحقق. وأضافت:" بالعودة الى جانفي نجد أن الثورة قد انطلقت بطريقة مفاجئة لم يتم التحضير لها مسبقا وهذه الخاصية جعلت الشعب في البداية يتابع الأحداث بكل شغف من أجل تجاوز الغموض وايجاد تفسيرات منطقية لكل المستجدات، حتى أن الأغلبية توجهوا الى المساهمة في التغيير وبعد أن مرت مدة طويلة دون حدوث أي تغيير ملموس على مستوى الادارة أوالاقتصاد أوالسياسية رغم كثرة الأحزاب أفقد التونسي الأمل والثقة وأصبح سلبيا أمام عدم تجاوزه للغموض...
حقوقيون.. ومتسيسون
والتقت "الصباح" عددا من الأسماء للادلاء بمواقفهم من الوضع العام للبلاد فانقسمت المواقف الى اتجاهين. توجه أول مثله كل من مختار المطوي (مرشد عام في الاعلام والتوجيه المدرسي والجامعي) وسارة خضر (أستاذ جامعية ومحامية ) اعتبر أن الوضع العام بالانفلاتات الأمينة التي يشهدها والوعود وحالة الفوضى وانعدام الوعي عند المواطن وحالة عدم الشرعية وكل السلبيات المسجلة حالة عادية، فالانتقال الديمقراطي في مرحلته الأولى ومن الطبيعي أن تقع كل هذه الأحداث.. فالمواطن لا يملك الوعي والساحة تعيش حالة تصحر سياسي.. غير أنه من المهم أن لا يتطور هذا الوضع لفترة أطول ومن دور المجتمع المدني والأحزاب السياسية الإحاطة به والحد من امتداده. أما التوجه الثاني فعبر عليه علي زديني من الرابطة التونسية لحقوق الإنسان بقوله بأنه يتسم بالتوتر "ان لم نقل الانفلات" وهذا يعود الى أن ليس لكل الأطراف نفس المصالح من العملية الانتخابية ولذلك نجد أنه كل ما اتجهت الأوضاع الى الاستقرار الا وبرزت انفلاتات أمنية وهذا دليل على أنها عملية منظمة.. ولكن مع ذلك يقول زديني: "علينا أن نحافظ على تفاؤلنا ونصر على انجاح الاستحقاق الانتخابي كي نعيد الشرعية.." وأضاف سمير بوعزيز (اعلامي) أن السياسية القديمة لم تتغير جذريا فالأحزاب لم تمثل المطالب الشعبية وذهبت الى خيارات غير قادرة على تطبيقها أما الحكومة فقد مرت بمرحلة تشوبها الاخلالات ومازلت الى حد الان تعاني سوء الاختيارات فلم تتمكن من ايجاد طرق عمل الأجهزة الأمنية بما يقطع مع الأشكال القديمة دون أن يتحول الى هيكل غير منضبط...