يبدو أن الشاعر أولاد أحمد العائد لتوه من العاصمة المالطية «لافاليت» حيث «مثل» تونس في الفترة ما بين 4 الى 11 سبتمبر الجاري في أحد الملتقيات الأدبية... يبدو أنه أصبح يجد صعوبة في «الاقناع» بأحقيته في «صفة» ( ممثل للشعر التونسي ) - وهي «الصفة» ذاتها التي لم يكن ينكرها أو يستكثرها عليه أحد من زملائه الشعراء أو النقاد سابقا... و»سابقا» - هنا - تشمل زمنيا «مرحلة» ما قبل ثورة 14 جانفي - تحديدا - حيث لم يكن هناك - عموما - ما من شأنه أن يؤاخذه عليه زملاؤه الشعراء سيما بعد أن شملته «العناية الالاهية» وتم اعفاؤه - سنوات قليلة فقط - قبل قيام الثورة من ادارة «بيت الشعر» وهي «الخطة» الادارية ( الوظيفة ) التي «تكرم» بها عليه في وقت من الأوقات نظام المجرم بن علي فكان أن لوثت لفترة سمعته ووضعت «ثوريته» وثورية أشعاره - السابق منها واللاحق - محل «تساؤل» لدى البعض على الأقل... أما لماذا أصبح بعض الشعراء وحنى النقاد «يستكثر» اليوم على الشاعر أولاد أحمد أن يكون صوتا «ممثلا» للشعر التونسي فهذا يبدو عائدا لاعتبارات ظرفية طارئة أكثر منها موضوعية... فشعرية قصائد أولاد أحمد ( نقصد قصائده التي كتبها على امتداد السنوات القليلة الأخيرة ونشر بعضها على أعمدة الصحف أو ألقاها على مسامع الحضور في بعض المجالس الأدبية ) لم «تتقهقر» فنيا - بأي شكل من الأشكال - وظل خطابه الشعري زاخرا بالصور الشعرية المكثفة والمبتكرة كما ظل «قاموس» كلماته ينهل كعادته من عبارات التحدي والسخرية والثورية في معناها التحريضي العميق... على أن المفارقة - هنا - أنه وفي الوقت الذي كان ينتظر فيه أن تنتعش «ثورية» الشاعر أولاد أحمد بفعل قيام ثورة 14 جانفي المجيدة وأن يسطع نجمه أكثر بصفته شاعرا «ثوريا» حدث العكس تماما... فصورة أولاد أحمد - وعلى امتداد الفترة التي تلت قيام الثورة - أصبحت - ولا تزال - لدى قطاع عريض من الناس أقرب في ملامحها وخطابها الى صورة «الخصم السياسي» مما جعل عددا كبيرا منهم وخاصة من أولئك الذين لا يقاسمونه «توجهاته» الايديولوجية ينفضون من حوله. على أن اللافت - هنا - أن فريق المنفضين حديثا من حول الشاعر أولاد أحمد شمل أيضا شعراء بعضهم لا يختلف معه ايديولوجيا. هؤلاء اعتبروا - مثلا - أن الشاعر أولاد أحمد قد «انتهز» «الحالة الثورية» ونصب نفسه وصيا على الشعر والشعراء ( عدد من هؤلاء كتبوا نصوصا انتقدوا فيها توجهات المهرجان الشعري العربي الذي نظمه أولاد أحمد مؤخرا باسم ثورة 14 جانفي ودعا اليه من شعراء تونس من أراد وغيب عنه من أراد ). طبعا الذين يعرفون أولاد أحمد يدركون جيدا أنه كان دائما وسيبقى شاعرا ايديولوجيا ما يعني أن مؤاخذته على «صفته» هذه سوف لن تنتقص من قيمته وقامته الشعرية. أما ما يمكن أن يؤاخذ ( بفتح الخاء) عليه أولاد أحمد بالفعل - هنا - هو حجم نرجسيته الذي تعاظم بشكل لافت وكاريكاتوري أحيانا منذ قيام الثورة - ودونما داع فني أو ابداعي - وهي النرجسية التي جعلته يعتقد أنه وحده ودون الشعراء التونسيين جميعا من بيده «الحل والربط» - لا شعريا فقط وانما حتى ثوريا وسياسيا واجتماعيا - في هذه المرحلة. ما نريد أن نهمس به في أذن الشاعر أولاد أحمد - هنا - هو أن يجتهد في العودة بصورته الى «الشكل» الذي كانت عليها في عيون التونسيين جميعا ... بمعنى شاعرا أحب وانتصر لوطنه تونس - كل تونس - وليس موطنه سيدي بوزيد أو ايديولوجيته الشخصية - كما صرح ذات نص نثري - لأن ذلك هو طريقه للخلود في ذاكرة عموم التونسيين وذلك هو ما سيرفع ذكره ... وليس «الأذان في مالطا».