بقلم: سمير ساسي يبدو العنوان للوهلة الاولى من قبيل فتح الابواب المفتوحة، اذ اننا في دولة يمكن لكل من تهان كرامته قذفا او اعتداء ماديا ان يتتبع المعتدي ويسترد حقه، هذا امر بين لا نجادل فيه ولا نقف عنده لكننا ننطلق منه لنقيس عليه وندعو الى تعميم هذه القاعدة القانونية في المجال العام وبصفة ادق في المجال السياسي حيث برزت لنا في الايام الاخيرة ونتيجة للطفرة الحزبية غير العادية التي تشهدها البلاد برزت لنا ظواهر غير مألوفة تتنافى مع اخلاق العمل السياسي من حيث المبدأ وتتنافى مع شعارات الثورة التي تأسست على مبدأ الكرامة والحرية، يمكن ان نقتصر في هذا المقال على ظاهرتين لهما خطورة بالغة على مستقبل الاجتماع المدني في تونس الظاهرة الاولى هي ظاهرة استغلال الحاجة المادية للمواطن لاغراض حزبية يجهلها او هو غير مقتنع بها، والثانية هي الاستهانة بمبادئ الديمقراطية الداخلية لدى الاحزاب السياسية والاستهانة بوعي المنخرطين من خلال ما يعرف بشاور ثم خالف. الظاهرة تجسدت من خلال الرجوع الى ممارسات التجمع المنحل الذي كان يلجأ الى حشد المواطنين لملء الاجتماعات الحزبية والتصفيق لها، وعادة ما تكون هذه الفئات المحشودة من ذوي الاحتياجات المادية الملحة ومن المناطق الفقيرة فيغرونهم بتقديم بعض الاعانات او بوعد اعانة غالبا ما يقع النكوص عنه، وهي ظاهرة خلنا انها ولت وانتهت مع الثورة لكن احزاب "السياسة المعلبة" التي ظهرت بعيد الثورة او التي صارت كذلك بحكم تكالبها على السلطة دون النظر في ممهدات الوصول اليها اعادت الى اذهاننا هذه الظاهرة المهينة للكرامة البشرية فعادت الى حشد مواطني حي التضامن ومناطق الشمال الغربي الاكثر فقرا لحضور اجتماعات توزع فيها الاعانات فاذا بها اجتماعات حزبية غير معلنة وغالبا ما يكون المستدعى غير مقتنع او غير عارف بموضوع هذه الاجتماعات مثلما وقع في الاجتماع الاخير للاحزاب الداعية للاستفتاء،وبصرف النظر عن الموقف من الاستفتاء فان مثل هذه الممارسة جريمة في حق المواطن وجب متابعة مرتكبيها مثلما يحاسب مرتكب القذف او الاعتداء المادي بل اشد لان فيها افسادا لقيم العيش المشترك وتنظيم الفضاء العام وقبل ذلك واهم منه الاستهانة بكرامة التونسي الذي ثار من اجل كرامته لا من اجل الخبز. وفي تقديرنا ان اصحاب هذه الممارسات اما انهم ينطلقون من قناعة ان هذه الثورة ليست ثورة كرامة وحرية بل هي ثورة جياع وخبز وانهم لم يتحرروا بعد من رواسب الاستبداد في نظرته للمواطن التونسي كرعية غير راشد يحتاج من يكون وصيا عليه يدله الى ما يفعل او يفرض عليه ان يتبع اوامره حتى لا يقطع عنه مورد رزقه، وفي الحالتين هناك اهانة نحسب انها اكثر ما يصح عليها وصف الجريمة الموجبة للعقاب الصارم والعاجل حتى نساهم في تعزيز قيم المطالبة بالحق وعدم السكوت عن الظلم لدى المواطن ونضمن بالتالي الا تتكرر تجربة الاستبداد. أما الظاهرة الثانية فهي الاستهانة بالديمقراطية الداخلية وسط الاحزاب وممارسة ما يعرف بشاور ثم خالف اي الضرب عرض الحائط بما يقوله المنخرط العادي داخل حزب ما لانه لم يوافق هوى اصحاب النفوذ والمقربين من اصحاب القرار، وقد تكررت هذه الظاهرة لدى اكثر من حزب وفضحتها المنافسة على ترؤس القائمات الانتخابية وبدا لنا جليا ان الممارسة الديمقراطية لدى احزابنا ما تزال منعدمة اوضعيفة وهو ما سبب في موجة استقالات واحتجاجات لدى المناضلين الذين لم يرضوا الاستهانة بآرائهم. ومرة اخرى نصرف النظر عن جدل التبرير والتبرير المضاد الذي صاحب هذه الظاهرة لنقول انه مهما كان السبب وجيها نرفض ان تقع اهانة المناضل الحزبي بهذه الطريقة لان من شان مثل هذه الاهانات ان تفقد الثقة المواطن التونسي في جدوى العمل الحزبي، فاما ان لا تقع انتخابات داخلية اصلا او ان تحترم نتائجها مهما كانت لأن كل خيار غير هذين هو اعادة لمقولة النظم الاستبدادية بان الشعوب غير واعية بمصلحتها وان الزعيم الملهم هو وحده المؤهل لتحديد الاختيار الاسلم وليس اكبر من ذلك جريمة في حق الشعوب التائقة للحرية فهل يعي الفاعلون في المشهد السياسي ببلادنا خطورة مثل هذه الظواهر ويقطعوا مع ارث الاستبداد؟