لو امكن لهيلاري كلنتون الفوز في الانتخابات الرئاسية الامريكية في نوفمبر المقبل فلن يكون زوجها الرئيس الاسبق بيل كلينتون الذي سيتولى تسليمها السلطة حتى وان كان اعلن انه سيظل الى جانبها لدعمها في منصبها الجديد على عكس المشهد القادم بداية الاسبوع الماضي من العاصمة الارجنتينية بيونس ايرس... كان المشهد مثيرا ما في ذلك شك نستور كرشنير الرئيس الارجنتيني الاكثر شعبية في بلاده منذ عقود يقف امام الالاف من الارجنتيين لتبادل الادوار مع زوجته ويسلم الوشاح الرئاسي الازرق والابيض الى الرئيسة الجديدة سيدة الارجنتين الاولى بالامس ويكتفي بلقب زوج السيدة الاولى في بلد يعد ثاني اكبر اقتصاد في امريكا الجنوبية... وايا كانت الاسباب السياسية والدوافع اوالاهداف والمصالح التي تقف وراء حرص الرئيس المتخلي ترجيح حظوظ زوجته في هذا السباق فان الحقيقة ان كريشنر لم يكن اول رئيس ارجنتيني يسعى الى وصول زوجته الى كرسي الرئاسة من بعده وقد سبقه الى ذلك الجنرال خوان بيرون مرة اولى سنة 1951 مع زوجته الاولى ايفا بيرون الا ان قادة حزبه اعترضوا على ذلك قبل ان ينجح في محاولته الثانية مع زوجته ماريا استيلا مارتينيز دي بيرون المعروفة بايزابيل بعد ان عينها نائبة له والتي اصبحت بعد وفاته عام 1974 اول رئيسة للارجنتين قبل ان يقع الاطاحة بها في انقلاب عسكري بعد عشرين شهرا . واذا كان التاريخ سيحفظ لكرستينا فرننداز انها اول سيدة اولى في العالم تتولى زمام السلطة خلفا لزوجها في اعقاب انتخابات رئاسية ديموقراطية كانت الكلمة النهائية فيها لصناديق الاقتراع فان التاريخ سيحفظ للرئيس الارجنتيني المتخلي نستور كيرشنير بدوره انه الرئيس الذي رفض الترشح لولاية رئاسية ثانية وهو في اوج شعبيته بعد اربع سنوات قضاها في السلطة وخرج منها واستطلاعات الراي تؤكد انه حقق اكثر مما كان وعد بتحقيقه خلال حملته الانتخابية لا سيما فيما يتعلق باعادة دفع عجلة الاقتصاد المتردية وقد اثر نستور بدلا من ذلك دعم حظوظ زوجته وزميلة الدراسة الجامعية في سباقها الانتخابي امام اثني عشر منافسا لها.. على ان الاكيد وحسب الملاحظين ان هذا الاختيار من جانب رئيس الارجنتين السابق وزوج الرئيسة الحالية قد يكون له حساباته البعيدة المدى فاذا كان دستور الارجنتين واضحا ولا يسمح للرئيس باكثر من ولايتين فان في عملية تبادل الادوار بين الاثنين من شانها ان تفتح امام الزوجين المجال للبقاء في القصر الرئاسي بالعاصمة الارجنتينية ببيونس ايرس اطول فترة ممكنة. لقد اثارت كريستينا فرننداز دي كرشنر ومنذ ان اعلنت ترشحها للانتخابات الرئاسية في الارجنتين في جوان الماضي جدلا مثيرا في مختلف الاوساط الاعلامية والديبلوماسية داخل الارجنتين وخارجها حتى باتت تقارن بايفا بيرون الثانية او بهيلاري كلينتون الجنوب وتلقب بالملكة كرستينا وهي من الالقاب التي ابدت فرننداز رفضها وعدم تجانسها مع شخصيتها وقناعاتها . ومع ان الكثيرين لا يعتبرون ان وصول كريستينا فرننداز مجرد صدفة وذلك لعدة اعتبارات فللمراة مكانتها وموقعها على الساحة السياسية في بلادها منذ سنوات طويلة فان الكثيرين يتوقعون الا تكون مهمتها خالية من التحديات والصعوبات والعراقيل على مختلف المستويات السياسية والاقتصادية في بلد يشكو من ارتفاع في نسبة البطالة التي بلغت عشرة في المائة الى جانب التضخم وتفاقم الديون الخارجية وانتشارالفساد والجريمة واتساع رقعة الفقر وتراجع التعليم الى جانب النقص المستفحل في مصادر الطاقة وغير ذلك من القضايا العالقة.. و لعل في الاتهامات الامريكية الموجهة لاربعة عملاء بتهمة جمع اكثر من ثماني مائة الف دولار من احد رجال الاعمال بطريقة غير مشروعة في ميامي لدعم الحملة الانتخابية لرئيسة الارجنتين ما يؤكد ان الصعوبات التي تنتظر رئيسة الارجنتين الجديدة قد لا تكون على الصعيد الداخلي فقط وان الارجنتين ثاني اكبر بلدان امريكا الجنوبية بعد البرازيل ربما يتعين عليها ان تبحث عن سياسة خارجية قادرة على الحفاظ على توازنها بين بوليفيا والشيلي والبرازيل المجاورة من ناحية وبين العملاق الامريكي من ناحية اخرى...و قد يكون في كشف الرئيسة الجديدة عن تمسكها بنفس فريق عمل ومستشاري زوجها باستثناء وزير الاقتصاد ما يشير الى اقتفائها نفس الخطوط السياسية التي رسمتها معه خلال السنوات الاربع الماضية لمواصلة خطة الاصلاح.. ولا شك ان المتامل في مسيرة كريستينا الام المحامية والنائبة المعارضة والسيدة الاولى ثم الرئيسة يدرك انها تحمل في جرابها مسيرة سياسية لا يستهان بها وانه يحسب لها انها كانت السفيرة المستشارة لدى زوجها وانها كانت وراء خطة اصلاح الاقتصاد وما تحقق له من انعاش في البلاد بعد الازمة الاقتصادية لسنة 2001 واستمرار النمو الاقتصادي للبلاد بنسبة 8 في المائة على مدى السنوات الاربع الماضية كما يحسب لها انها من ضرب بعنف على طاولة مجلس الشيوخ عندما طالبت المحكمة العليا بالغاء العفو العام بحق مسؤولين عن جرائم ارتكبت بين 1976و 1983 وهو الملف الاول الذي جددت رئيسة الارجنتين التزامها به في اول خطاب لها بعد فوزها بالانتخابات الرئاسية عندما اعلنت ان محاكمة المسؤولين عن اكبر حملة ابادة في تاريخ الارجنتين المعاصر والتي تاجلت اكثر من ثلاثة عقود لا يمكن تاجيلها بعد الان...و لاشك ان المستقبل وحده يبقى كفيلا بتقييم مرحلة حكم كريستينا كيرشنر ثاني امراة تتولى الرئاسة في امريكا اللاتينية خلال هذا العقد الاول من القرن الواحد والعشرين بعد ميشال باشليه السجينة السياسية السابقة في شيلي فهل تنجح في الخروج من جلباب زوجها لتدفع ببلادها الى صفوف الدول الاقتصادية الكبرى؟