عاد علي عبد الله صالح والعود ليس دوما أحمد، وعودة صالح الى اليمن لن تكون عودة طاهرة أومن دون كوابيس بالنسبة لليمنيين الذي استفاقوا بالامس على الخبر المفاجئ الذي حملته وكالات الانباء مع كل ما يمكن أن يعنيه ذلك من سينارويهات دموية مرتقبة وذلك رغم حرصه على طمأنة الشارع اليمني ودعواته المتكررة له بحقن الدماء والعودة للحوار, والسبب بسيط فالرجل سبق أن وعد بدل المرة مرات ولكنه لم يصدق في وعوده ولعل في حصيلة ضحايا الامس الذين سقطوا برصاص قواته ما يعني الكثير لكل الاصوات التي رفضت عودته الى السلطة. ثمة شيئ اسمه داء السلطة ومن أراد داء الكرسي سبب مآسي العالم الثالث ومعه العالم العربي الذي ابتلي بشرور هذه الداء المتجذر في تركيبة العقلية الحاكمة في عالمنا وهو داء يكاد يتحول الى كتلة من الجمر تحرق وتعصف كل من حاول التصدي أو استئصالها. ولا شك أن في عودة الرئيس اليمني الهارب على عبد الله صالح بالامس الى اليمن بعد فترة نقاهة استمرت ثلاثة أشهرفي المملكة السعودية بعد تعرضه لقصف كاد يودي بحياته استهدف مقره الرئاسي ما يؤكد خطورة هذا الداء. لقد توقع الكثيرون, ولكنهم أخطأوا , ألا يعود صالح الى ممارسة السلطة بعد تلك الحادثة التي قسمت اليمن المقسم أصلا الى شمال وجنوب وأن يختارالرجل المنفى ويجنب شعبه المزيد من الخسائر على أن يدفع البلاد الى حرب أهلية لا تبقي ولا تذر. ولكن صالح أبى الا أن يتجاهل كل التحذيرات ويتمسك بشرعية مفقودة منذ زمن طويل وهي شرعية لا يمكن بأي حال من الاحوال استعادتها بخطة العودة الى صنعاء تحت جنح الظلام تماما كسارقي الاحلام والمارقين عن الاحلام. طبعا لم يخرج أنصارصالح ليرفعوا صوره ويهتفوا بحياته ولم يتجمع أعضاء حزبه ممن تعودوا على ذلك بالالاف في كل المناسبات لاستقباله هذه المرة احتفاء بعودته فمفاهيم الشجاعة والشهامة والتحدي تغيب وتختفي في هكذا مواضع وتفرض على الرئيس صالح الهارب العائد التخفي وعدم الظهور تحسبا لما يمكن أن يؤول اليه الغضب الشعبي وهو يشق الطريق الى القصر الرئاسي بصنعاء. صالح صرح أكثر من مرة أن حكم اليمن «أشبه بالرقص على رؤوس الثعابين» وربما لم يخطئ في هذا التصور وهو الذي تعلم فنون الرقص وعاد الى اليمن ليضع بصماته على أخر اللوحات في المشهد اليمني. ورغم السرية التي أحاطت بها فان عودة صالح لم تخلو من حسابات دقيقة مسبقة فقد اختاراعلان عودته في جمعة العودة التي أرادها أن تكون تحديا لخصومه الذين ما انفكوا يتغنون بجمعة الخلاص والرحيل لنظام صالح المتواصل منذ ثلاثة عقود لم تعرف معها الاجيال المتعاقبة حاكما غيره.. فليس صدفة أن تكون العودة محددة عشية الذكرى التاسعة والاربعين للثورة اليمنية بكل ما تعنيه في الذاكرة الوطنية اليمنية من امال وطموحات وتطلعات من أجل الافضل بما يمكن أن يساعد على انقاذ السواد الاعظم من الشعب اليمني من قيود الفقروالجهل والامية والتخلف والابئة التي كان العالم يعتقد أنها دخلت طيات الماضي.. صالح جعل لنفسه من القذافي مثالا ومن الاسد سندا, رسالته أن الحفاظ على عرشه فوق كل شيئ ولا مجال للتراجع عن ذلك مهما استوجب اراقة للدماء أوسفك للارواح... طبعا الحسابات الضيقة للرئيس اليمني لا تخفي الحسابات الخارجية وهي الاوسع فلا يمكن أن تخفي الدورالسعودي وراء هذه العودة التي تأتي بعد ثلاثة أشهر من الغياب اعتقد اليمنيون خلالها أن الكابوس لن يعود ولكن عودة صالح للظهورعلى الفضائيات لتوجيه تهديداته المتكررة الى اليمنيين ثم ظهوره مجددا وهو يلتقي العاهل السعودي في جلسة كان واضحا أنها جلسة وداع وذلك بعد أنباء عن قبوله المبادرة الخليجية وموافقته نقل صلاحياته الى نائبه تمهيدا للخطوة الاهم وهي الاعلان عن تخليه عن السلطة وتنظيم انتخابات حرة يقرر من خلالها الشعب اليمني المصير الذي يريد دون وصاية... مصيبة صالح مثله مثل غيره من الطغاة العرب أنه خيل اليه بأنه الوحيد القادر على اتخاذ القرارات فصدق ذلك وكأن الشعوب العربية ولدت قاصرة لتموت دون أن تبلغ سن الرشد...