بقلم: وليد الشريف تناولنا في المقالين السابقين مقترحين للتأسيس. يهم الأول مراجعة مناهج التعليم والثاني إدراج الاختصاص الكوني للقضاء التونسي فيما يتعلق بالجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب. في هذا المقال سنطرح مقترحا ثالثا يهدف لتحسين منظومتنا القانونية بما يساهم في الرقي بجدوى القوانين ويُيسر تطبيقها واحترامها عن طريق اعتماد الوضوح والدقة. يقول مونتسكيو «إن القانون الرديء يدفع المشرع لإصدار كثير من القوانين الأخرى التي عادة ما تكون رديئة أيضا وذلك بغاية تجنب الانعكاسات السيئة للقانون الأول أو على الأقل لتحقيق الغرض منه». والقانون الرديء لا يُقصَد به فقط القانون الذي له انعكاسات عملية سيئة أو الذي لا يراعي الحقوق أو الذي وُضِع بغاية الظلم. وإنما يشمل المعنى أيضا القانون الذي كُتِب بطريقة رديئة تفتقد للوضوح والدقة وتفتقر للتبويب والهيكلة المناسبة مما يجعله يثير الجدل الكبير ويستنزف الطاقات في التفسير والتفقه ويفتح الأبواب على مصراعيها للمتحيلين ويُرهِق أصحاب الحاجة إليه ويبعث الامتعاض من القوانين في نفوس الناس. ونحن في تونس شهدنا في العشريتين الماضيتين حِراكا غير مسبوق في التشريع جعل بعض المستهزئين ينعته بالإسهال التشريعي أو بالنزيف. ومهما يكن تقييم المنتوج التشريعي فإنه لا مِراء أن التطور الاقتصادي والتكنولوجي وتعقد المعاملات وتغير المجتمع ولد حاجة كبيرة للتشريع ولإصدار القوانين التفصيلية والمعقدة. و ليس من أهداف هذا المقال الدخول في تفاصيل القوانين وعرضها على التمحيص والتقييم فهذا شأن متخصصي القوانين. ولكن الغرض هو تقديم اقتراح يُسهِم في تجنب القوانين الرديئة على مستوى الوضوح والدقة ألا وهو اعتماد دليل لكتابة القوانين يضبط الشروط الشكلية لتحرير النصوص القانونية. فيوحد هذا الدليل الهيكلة الشكلية للقوانين من قبيل تحديد أسلوب التسلسل الهيكلي في التقسيم والتبويب وإفراد قسم خاص بالأحكام الجزائية إن وُجِدت، إلخ. كما يبين طرق العَنْوَنة بما يضمن الوضوح والدقة. ثم يضبط الشروط الشكلية في كتابة المضمون مثل كيفية كتابة الأرقام وطريقة التحرير في الإحالة على نصوص قانونية أخرى وتحديد أسلوب التعداد وضبط شروط إفراد فصل أو فقرة أو نقطة، إلخ. ويمكن أن يتناول هذا الدليل حتى النمط الخطي في طباعة الحروف كأن ينُص مثلا على كتابة الأحكام الجزائية بالخط السميك والاستثناءات بالخط المائل، إلخ. إن التشريع الجيد يستوجب بالتأكيد دراسة معمقة للنصوص وانعكاساتها المحتملة ومدى توافقها مع أحكام الدستور ومختلف التشاريع السارية. لكن من شروط هذا التشريع أيضا الوضوح والدقة في التحرير بما لا يدع مجالا للالتباس وبما يُيَسر على المواطنين فهم وتطبيق القانون ويخلصهم من ذلك الإنطباع بأن القانون معقد ومركب لا يفهمه إلا المختصون ولا ينفع إلا في التقاضي. إذا أردنا أن نكون رائدين ونفتتح عهدا يتفجر فيه الإبداع وتترسخ فيه ذهنية الإتقان والتفاني والتعلق بالمواطنة، فَلْنُؤَسس : « يتم تحرير النصوص القانونية طبق الإجراءات الشكلية الواردة في دليل تحرير النصوص القانونية الذي يتم اعتماده بقانون».