بقلم :جلال باباي غالبا ما نسمع ويتردّد في سرد الأحزاب لبرامجهم عن رغبة أمنائهم وأعضاد مكاتبهم وهيئاتهم الجامحة لخلق وتوفير أكبر عدد ممكن من مواطن الشغل واعتبار ذلك المسعى من أولويات الحزب دون غيره نظرا لحساسية الموقف تجاه هذا المطلب اليومي.. في حين لا نكاد نعثر ونبقى على مرمى أشواط من نقاط برامج هؤلاء بندين أو ثلاثة في أفضل الحالات تتذيّل لائحة القائمة تتّصل بالشأن الثقافي ....وباعتباري شاعرا وعضوا من جملة مئات من أعضاء باتحاد الكتّاب التونسيين أودّ أن أتطلّع بنزر من التفاؤل رغم التشاؤم الذي يلفّ بذواتنا نحن الكتّاب صناع الحلم والأمنيات ...إلى مواصفات وتيمات البرنامج الذي أعددتموه سادتي القائمين على تسيير الأحزاب في تونس بعد ثورة 14 جانفي 2011 ضمن أهداف أحزابكم في الزاوية المنسية ألا وهي الثقافة وراهن المثقفين والكتّاب...حيث تعلمون ما شهدته الساحة الثقافية في الجهات من تهميش وإقصاء ومحسوبية ولعلّي أستحضر في هذا الموضوع ما يلي : - مركزية الثقافة في العاصمة وتناسي الجهات وعدم إيفائها النصيب الكافي من العروض وتوزيع حجم الموازنات المالية على المؤسسات الثقافية بالعدل . - راهن النشر وتوزيع الكتاب في تونس وما يتعرّض إليه الكاتب من مشاكل وعراقيل والتجائه إلى النشر على الحساب الخاص في ظلّ التناسي من لدن المسؤولين في الشأن الثقافي الوطني. - تراجع رهيب ومفزع لميزانية اتحاد الكتاب التونسيين في ظرف ستة أشهر جرّاء تغافل وزارة الثقافة عن رصد المنحة السنوية التي اعتادت مدّها للإتحاد ، بعد الإستغناء عن المنحة الرئاسية التي كان يرصدها رئيس النظام السابق لإتحاد الكتاب ، بيد أنّ الكثير من الهياكل الأخرى( السينما ،..) جيوب ميزانياتهم منتفخة حدّ الجشع . - مصير دور الثقافة ومستقبل العمل بها في ظلّ انعدام قانون أساسي يحمي القطاع والمنتمين إليه(المديرون و الأعوان والمنشطون...) والدعوة إلى إصدار قانون أساسي لهاته الفضاءات . كما وددت أن أتدخل لإلقاء أسئلة خامرتني أثناء بث البرنامج الحواري الذي تنتجه وكالة الأخبار BBC بتونس عنوانه " ساعة حساب " بأستوديو 300 بمقرّ التلفزة التونسية يوم الإثنين الفارط على ممثلي الأحزاب السياسية الستة الذين تمّت دعوتهم ولكن على ما يبدو ونظرا لكثرة الحضور لم يتسن لي التدخّل وها أن الفرصة تتكرّر لرفع السؤال لهم عبر صحيفة " الصباح " ويتلخّص الطرح فيما يلي : - ما مدى مشروعية لجنة انتقاء الإصدارات بإدارة الآداب الراجعة بالنظر إلى وزارة الثقافة والمعايير المعتمدة في شراء الكتب من المبدعين ، حيث لاحظنا مفارقات عجيبة في التمييز بين الكتّاب بأن تقرّر هاته اللجنة اقتناء ألف نسخة من" زيد " وخمسين من "عمر" وضحايا هذا التصرف المشين معظمهم من المناطق الداخلية وحتى الساحلية وجنوب البلاد في حين يبقى الكاتب المقيم في تونس بحكم شبكة علاقاته الواسعة بكواليس مكاتب وزارة الثقافة وإدارة الآداب بها الأكثر حظا والإبن المدلّل في حجم الشراءات أمّا الذي يقطن خارج جنة العاصمة فيبقى يحيا على هامش السيرة أعزلا ومنسيا... لذا وبوصفكم ستتقدّمون لإنتخابات المجلس التأسيسي ماذا أحضرتم في مسعاكم المستقبلي للقضاء على هاته الظاهرة و بالتالي هل من حلول جذرية للتخفيف على الكاتب وقدر المستطاع المعاناة جرّاء التجائه للنشر على الحساب الخاصّ . في تقديري هناك أكداس من ملفات عالقة في قطاع الثقافة كقطاع حيوي وحسّاس ، فهل أنتم يا أولي الأمر بالأحزاب السياسية واعون بحدّة هاته المشاكل الملتصقة بجزء من الثقافة الوطنية ومبدعي تونس الحرّة ، وما هو قسط اهتماماتكم به من مجموع بقية المجالات كالإقتصاد و التجارة و التنمية الجهوية و السياحة و غيرها... وجرّاء ذلك أرفع عقيرتي بطرح أسئلة غاية في الأهمية لعلّ من أهمها : * هل نلمس إجراءات عمليّة في هذا الشأن وسبل القطع مع الممارسات القديمة و الابتعاد أكثر إن لم يكن التخلّص نهائيا من تقاليد الخطابات الفضفاضة ورفع الشعارات الباهرة والتي في معظمها تبقى حبرا على ورق . * هل تفكرون في رفع الوصاية و الرقابة على الإبداع بشتى تمثلاته وتحرير المبدعين ، بالإبتعاد أكثر عن الإنغلاق والتعصب المفرط فيه بتعلاّت " المقدّس" وما شابه ذلك... وجعل مسألة التعلق بالهوية الوطنية والعربية نصب أعيننا عملا بالقول المأثور " لا لإفراط ولا تفريط " وبالتالي نسج منظومة ثقافية معتدلة ووسطية تحاور الآخر وتحترمه.. وتشجع المبدع على العمل في مناخ سليم تسوده حرية التفكير والمعتقد... لذا أمنّي النفس أن تبني الأحزاب وترسي نقاطا ناجعة في برامجها الإنتخابية تتوفّر على جرعة معقولة من إحكام العقل بأن لا تجانب الموضوعية وتنحت برامج حقيقية تنهض بدرجة الثقافة في وطننا . شاعر وعضو اتحاد الكتاب التونسيين.