محسن الزغلامي ربما لن يكون من باب الخطابة ولا الشعاراتية في شيء القول أن من بين أهم انجازات ثورة 14 جانفي التاريخية أنها أعادت تونس للتونسيين.. بمعنى أنها من جهة - نزعت من أنفسهم كل شعور بالقهر والغبن والاستكانة و"الغربة"... وأنها من جهة ثانية أحيت فيهم من جديد مشاعر التعلق بهذا الوطن العزيز والاستعداد المطلق للدفاع عنه وصيانة مكتسبات دولة الاستقلال سواء منها السياسية أوالاجتماعية... فثورة 14 جانفي هي ليست فقط ثورة على الديكتاتورية والفساد والاستبداد وإنما أيضا ثورة شعبية شجاعة على سياسات الارتهان للخارج و"المتاجرة" باستقلالية القرار السيادي الوطني التي كان يمارسها بكل صفاقة نظام المجرم بن علي على امتداد أكثر من عشريتين مقابل ضمان صمت أطراف دولية بعينها طالما تبجحت وهذه مفارقة - بدفاعها عن الحريات وحقوق الإنسان في العالم... صمتها على فساده وعلى جرائمه في حق خصومه السياسيين من أبناء تونس... وما من شك أن مشاعر التعلق بهذا الوطن العزيز التي أحيتها من جديد في نفوس التونسيين جميعا ثورة 14جانفي العظيمة هي التي ستجعلهم لا فقط يبدون فائقي الحساسية تجاه أية "حركة" أو "إشارة" من أطراف خارجية قد يشتم منها مجرد محاولة التدخل الوقح ولو بالقول - في الشأن الوطني الداخلي.. وإنما ستجعلهم أيضا مصرين على أن يكونوا دائما حتى في حالات الاختلاف - على قلب رجل واحد من أجل أن تبلغ هذه الثورة العظيمة مداها وتحقق أهدافها الاجتماعية والحضارية النبيلة... ان التجربة الديمقراطية الوليدة في تونس ما بعد الثورة هي التي ستجعل التونسيين وعلى خلاف ما يروج له أعداء ثورتهم في الداخل والخارج - واعين بأهمية وضرورة المحافظة على المكتسبات المدنية والحداثية لدولة الاستقلال وعلى المضي قدما بهذه التجربة غير المسبوقة في تاريخ المجتمعات العربية نحو محطات متقدمة على طريق التعددية والحرية والمدنية... أما أولئك الذين لا يزالون يراهنون على "الفوضى" ويستقوون معنويا - "بالآخر" الأجنبي ويحاولون أن يجعلوا التونسي يخاف أخاه التونسي في محاولة يائسة لزرع بذورالفتنة والشقاق في صفوف أبناء الوطن الواحد من أجل إجهاض التجربة الديمقراطية التونسية الوليدة فإنهم بالتأكيد واهمون وخاسرون لا فقط - لأن شباب الثورة قد هتف -من بين ما هتف بشعار "لا خوف بعد اليوم " وإنما أيضا لأن نهر الثورة التونسية المباركة قد أسس مجراه وأن عجلة التاريخ لا يمكن وبأي حال من الأحوال أن تعود إلى الوراء...