بقلم: د. علي لبيب لقد أطاح الشعبان التونسي والليبي بالطاغيتين بن علي والقذافي وتحررا من الاستبداد واستعادا كرامتهما وأصبحا فخورين بانتمائهما الوطني. وهما يعدان الآن لبناء دولة جديدة بمكوناتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية. ولن يتعلق الأمر بترميم مخلفات الثورة أواصلاح ما أفسده الطاغيتان وإنما بمشروع مجتمعي كامل. ويمكن اليوم للتونسيين ولليبيين انتهاز المد الثوري وتزامن إعادة البناء لصرف النظر عن المشاريع القطرية المنعزلة لمحدودية جدواها والعمل معا من أجل اندماج بلديهما لأنه يوفر لهما حظوظا أكبر وأفضل للتنمية والرفاه والاستقرار والأمن مما يحصن الثورة ويؤمن مكتسباتها ويرسخ مبادئ الحرية والديمقراطية بهما. لقد كانت مساندة تونس حكومة وشعبا للثورة الليبية مساندة متميزة. فبالرغم من انشغالهم الشديد بثورتهم وقف التونسيون تلقائيا مع الشعب الليبي «وقفة الشقيق لشقيقه» وقدموا له الدعم المعنوي والمادي بصرف النظر عن عدالة قضيته من عدمها. وإذا فاق اهتمام التونسيين بالثورة الليبية اهتمامهم ببقية الثورات العربية فذلك لا يعود بالدرجة الأولى لاعتبار القرب الجغرافي وإنما لعمق الوشائج والروابط الثقافية الاجتماعية بين الشعبين عمقا ملموسا. وأكدت الثورة في تونس وليبيا حقيقتين طمستهما الأنظمة السابقة : -امتداد الشعبين لبعضهما ثقافيا واجتماعيا امتدادا خاصا بهما. -يمثل كل بلد منهما العمق الطبيعي والاستراتيجي للآخر. وبناء على ذلك فإن المرحلة الحالية تشكل فرصة سانحة لهذا الاندماج لعدة أسباب أهمها: - كثرة القواسم المشتركة. - ضعف القدرات الفردية وعلى حدة لليبيا وتونس على بناء الدولة الجديدة. - التحام الشعبين أثناء الثورة. - تقارب المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية. ومن ذلك على سبيل المثال وليس الحصر يقدر الدخل الاجمالي الخام في سنة 2008 ب90 مليار دولار بليبيا وب80 مليارا بتونس. - تزامن إعادة البناء في البلدين. وطالما أننا مطالبون في البلدين ببناء جديد فلنبن معا ومن البداية إذ أنه كلما تقدم «البناء المنفرد» إلا وحجبت ضرورة «البناء المشترك» وأصبحت عرقلة الاندماج ممكنة خاصة من الخارج باستثناء الاتحاد الأوروبي إن رأى فيه عاملا يحد من الهجرة المغاربية وجدارا عازلا يقيه من تدفق الهجرة الافريقية. ويعتبر الاندماج أولوية لأنه ليس خيارا وإنما ضرورة نفرضها على أنفسنا لنطمئن على مصيرنا في عالم اليوم وفيه توجد حلول المسائل الخاصة بليبيا وبتونس كالأمن والهجرة والاكتفاء الذاتي الغذائي والتشغيل والقوى العاملة والتعليم والتدريب المهني. وبالنظر إلى الموارد البشرية والاقتصادية تحديدا على سبيل المثال يتجلى بأن الاندماج هو «مسألة حيوية» للبلدين وهو وحده قادر مثلا على تخفيف وطأة البطالة المزمنة في تونس وعلى التخفيض من تبعية ليبيا للهجرة الوافدة إليها من كل حدب وصوب بسبب شحة القوى العاملة الوطنية وسوء توظيفها. ولا مناص لليبيا الجديدة من اعادة النظر في سياستها في مجال الهجرة انطلاقا من استخلاص العبر من فشل تجربتها وتجربة الخليج العربي والاتحاد الاوروبي وغيرها... ومن البديهي التأكيد على أن الاندماج هو مشروع بنيوي يتجاوز الأطر الضيقة التي سادت العلاقات بين البلدين في العقود السابقة والتي انحصرت في المبادلات التجارية والتصرف في تنقل اليد العاملة التونسية إلى ليبيا. وهي علاقات أساءت عموما لصورة التونسيين والليبيين لأنها كانت في الغالب متشنجة لم تحددها مصالح البلدين وإنما ظرفيات علاقة الحكام ببعضهم. إن فكرة «اندماج» أو»وحدة « بين تونس وليبيا هي فكرة قديمة. وقد أفرزت اللغة والثقافة والدين والامتداد البشري والجغرافيا والتاريخ هوية مشتركة كامنة بين تونس وليبيا كانت تطل من حين إلى آخر في شكل تساؤلات وخطب ونداءات. وبالتالي فلن يكون الاندماج التونسي الليبي اليوم إلا انجازا لمشروع طبيعي تأخر كثيرا بسبب ضيق رؤى الحكام السابقين. وسوف يزيد الاندماج من وزن البلدين ومن مصداقيتهما في المحافل الدولية ويعزز قوتهما في الدفاع عن مصالحهما وفي مجابهة التحولات العالمية والتكتلات الاقليمية والاقتصادية. وبالتأكيد أنه سوف يحرك مشروع المغرب العربي المعطل... وتؤكد كل المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية بأن البلدين يتكاملان تكاملا جيدا يفتح آفاقا حقيقية لتقدم الشعبين. وفي هذا الاطار يمكن البدء بثلاثة أمور تؤسس للاندماج المنشود: -حرية تنقل الأفراد والسلع لأنها حجر الأساس. -فتح الجامعات لطلبة البلدين لأنها مصدر التنمية. -توحيد برامج التعليم لأنه مفتاح العلم والذي بدونه لن تكون هناك تنمية لا «منفردة» ولا «مشتركة». ومن شأن الديمقراطية وحقوق الإنسان ومتطلبات الحداثة أن تسهل صيرورة الاندماج بين تونس وليبيا. ولكن لن يتحقق المشروع إلا إذا كان للسياسيين وللنخب بالبلدين القدرة على الاستشراف ولهم الشجاعة على تحمل مسؤولية ثقيلة وتاريخية نظرا لأهمية الرهان. ومهما يكن من أمر فإن ريح الحرية التي هبت على تونس وليبيا تفرض على أصحاب القرار بأن يكونوا في مستوى تطلعات ومطامح الشعبين للعيش معا في أخوة وتضامن وتكامل.