تستعد «جمعية القانون والتطبيق» لاصدار العدد الثاني من كتاب «تونس في ضروب الفساد القانوني قبل الثورة وبعدها» ومن مكوناته مجموعة استنتاجات حول قضية الطعن في الأمر عدد 629 لسنة 2002 المتعلق بالدعوة للاستفتاء على تنقيح الدستور وهي التي رفعها الأستاذ عبد الوهاب المعطر (عضو قيادي حاليا في حزب المؤتمر من أجل الجمهورية) ضد الوزير الأول آنذاك، محمد الغنوشي نيابة عن شكري يعقوب ومحمد الطالبي ومختار اليحياوي ومحمد الطاهر الشايب وعلي التنجال ومحمد محفوظ ونزيهة رجيبة (أم زياد) وعلي بن سالم وسهام بن سدرين.. وقد كان لكل هؤلاء المذكورين الجرأة لمعارضة «المخلوع» والطعن في قرار الاستفتاء الذي أبقاه في السلطة رغم أنف الجميع.. كما أنه رغم معرفتهم الجيدة بأن القضاء لن يكون في صفهم آنذاك ومع ذلك أصروا على الطعن والتّتبع غير آبهين بما قد يحدث لغير المطبلين الذين يقولون لا في زمن كممت فيه الأفواه خاصة أن «المخلوع» كان محاطا بمجموعة من المتضلعين في القانون الدستوري لكنهم كانوا بمثابة «التارزي» الذي يخيط الدستور على مقاس «المخلوع». وحتى 2002 كانت الأوامر الترتيبية لا نقبل الطعن أمام المحكمة الادارية لكن جاء القانون عدد11 لسنة 2002 لينص فصله التاسع عشر على أن الدوائر الاستئنافية بالمحكمة الادارية تنظر ابتدائيا في دعاوى تجاوز السلطة المتعلقة بالأوامر ذات الصبغة الترتيبية وعلى هذا الأساس رفعت رموز المعارضة المذكورة دعواها للطعن في الأمر عدد 629 لسنة 2002 المتعلق بدعوة الناخبين يوم الأحد 26 ماي 2002 للاستفتاء في مشروع القانون.
إضمار الشر
وكشف حامد القعاوي المكلف العام بنزاعات الدولة ورئيس جمعية القانون والتطبيق أن الاستنتاجات القانونية المبوبة في العدد الثاني من كتاب «تونس في ضروب الفساد القانوني قبل الثورة وبعدها» التي سيقع نشرها قريبا تكشف أن النظام السابق وعلى رأسه «المخلوع» وحاشيته من المستشارين في القانون الدستوري قد كانوا يضمرون الشر لرموز المعارضة الذين طعنوا في قرار الاستفتاء حيث يقول محدثنا الذي عاد لطرح الموضوع من خلال عريضة الدعوى ومجموعة التسويفات التي تمت لركن هذه القضية.. «من الواضح حسب صيغة هذا النص أن حكومة بن علي أعدت مشروع التنقيح الدستوري في ذات الفترة الزمنية التي نقحت فيها قانون المحكمة الادارية سامحة بالطعن في الأوامر الترتيبية، إذ حظي المشروع الدستوري بموافقة مجلس النواب في 2 / 4 / 2002 وهذا يدل على أنه قدم للمجلس قبل ذلك، في شهر فيفري أو حتى من قبل. من ذلك انه لم يتم التحقيق في القضية، ولم يتم تعهيد مندوب الدولة الذي من المفترض أن يحافظ على المصلحة العامة، وأعاد التمسك بأسباب الطعن التي ضمنها صحيفة الدعوى، فخلصت المحكمة الى حجز القضية للمفاوضة والتصريح لجلسة يوم 15 جويلية 2008 . ولم يتسن لنا معرفة المآل. لكن المعطيات التي توفرت تكفي للخروج باستنتاجات قانونية لا نبغي من ورائها سوى إشعار القارئ بأن القيام ضد بعض الاشخاص قد يكون في خدمة مصالحهم لا ضدها، بصرف النظر عن تعمد القائم أو استدراجه للقيام.
أولا: في أسباب الطعن:
يتبين بالاطلاع على عريضة الدعوى أن الطعن في أمر الاستفتاء لم يستند الى خروقات أصلية، كانعدام حق اللجوء الى الاستفتاء في هذا الجانب او عدم تلاؤمه مع مقتضيات الدستور، أو قيامه على التعسف وهضم الحقوق والحريات العامة أو غير ذلك من الجوانب الجوهرية، وإنما انبنى الطعن على عيب الاختصاص قولا أن ما تضمنه الامر الطعين من ضبط لإجراءات وصيغ الاستفتاء هو مناط السلطة التشريعية، ولا مسوغ للسلطة الترتيبية في أن تتدخل فيه. ورغم أن القائم بالدعوى أورد مطاعنه في ثلاثة أقسام، فإنها تشترك كلها في هذا الوصف ولا يتعلق أي منها بالجوهر. ولئن كانت المطاعن المأخوذة من عيب الاختصاص كتلك المأخوذة من الانحراف بالاجراءات أو من خرق الصيغ الشكلية الجوهرية تؤدي الى الحكم بإلغاء الأمر الطعين إن ثبتت صحتها تماما كما هو الحال بالنسبة الى المطاعن الجوهرية، فإن الأمر قد يختلف في قضية الحال من زاوية المآل النهائي للنزاع خارج القضاء! لقد جاء بالفصل 8 من قانون المحكمة الادارية أن إلغاء القرارات الادارية يجعلها عديمة الوجود القانوني، وهذا يؤدي بالضرورة الى إلزام السلطة الادارية بتدارك آثار كل مقرر ملغى. لكننا نتساءل، كيف ستلغى آثار تنقيح الدستور وإجراء العمل بالنص الجديد منه، فهل يلغى العمل مثلا بمجلس المستشارين، فيسرّح أعضاؤه وموظفوه؟ إن صيغة الفصل 8 واضحة ولا تقبل التأويل والحل واضح في صورة الحكم بإلغاء الأمر، وهو إعدام الآثار القانونية للمقرر الملغى بداية من تاريخ الإلغاء. ... هكذا إذن فإن عدم استناد الطعن الذي قدمه الأستاذ معطر الى أسباب جوهرية، لا يغلق الباب أمام حكومة بن علي للتحيل على القانون وامتهان إرادة الشعب، ولعل ذلك يتعزز بالمرحلة الزمنية التي بلغتها القضية.
ثانيا: استغراق المدة الرئاسية:
سبقت الإشارة الى أن المحكمة الادارية أبقت ملفات قضايا الطعن محفوظة بأدراج مكاتبها حوالي 6 سنوات دون أن تتخذ بشأنها أي إجراء قانوني ، فالرئيس الأول للمحكمة يحيل ملفات القضايا الى الدائرة الابتدائية، وكأنه لا يعلم أن الاختصاص بالنظر في الطعون الموجهة ضد الأوامر الترتيبية معقود للدائرة الاستئنافية ، فهل يعذر الرئيس الأول للمحكمة الإدارية بجهل مثل هذا النص الذي سمح لأول مرة بالطعن في الأوامر المذكورة؟ ورئيس الدائرة الابتدائية الأولى يبقي الملفات لديه مدة سنتين قبل أن يرجعها الى الرئيس الأول، فهل كان خلال السنتين يحاول فهم النص الجديد ويتساءل هل هو مختص أم يرجع الاختصاص الى الدائرة الاستئنافية؟ المهم أن المحكمة عينت أول جلسة في هذه القضايا يوم 10 جوان 2008 فحضر محامي الطاعنين ورافع طالبا الإلغاء ، فما الذي كان يأمله؟ لو تم الحكم بالإلغاء أواخر سنة 2008 فإن الأحكام لن تلخص الا بداية سنة 2009 بتفاؤل شديد، ولن يعلم بها خلال سنة 2009 فتتولى السلطة الطعن في الاحكام بالاستئناف، والسؤال هنا، متى ستبت الجلسة العامة في هذا الاستئناف؟ إذا كانت القضايا الابتدائية استغرقت قرابة 7 سنوات ليتم الحكم فيها. فكم ستستغرق القضايا الاستئنافية؟ لقد أوجب القانون على الدائرة الاستئنافية التحقيق في مطلب الاستئناف وفق القواعد المقررة لدى الدوائر الابتدائية، وهذا التحقيق غير محدد بأجل، واذا كانت الدائرة الابتدائية قد أغفلت التحقيق ولم تحل الملف الى مندوب الدولة وفقا لما يقتضيه القانون فكم سيستغرق ذلك من الدائرة الاستئنافية؟ إن جريان العمل بالمحكمة الادارية يشير الى أن هذا النظر سوف يتطلب من المحكمة ما لا يقل عن 3 سنوات ، وهكذا فإن هذا النزاع لن يحسم قبل موفى سنة 2012 أو خلال سنة 2013 ليتم تلخيص الأحكام والاعلام بها خلال هذه السنة أو في موفاها. هكذا يتبين أن صدور الحكم المنشود بإلغاء الأمر عدد 629 لسنة 2002 سوف يستغرق المدة الرئاسية المغتصبة من الرئيس المخلوع.. ويقول محدثنا أيضا: «فهل أن إعادة الاستفتاء قد يمنح بن علي مدة إضافية حتى بعد سنة 2014 بموجب حكم قضائي والحال أن حقه في تصدر سدة الحكم ينقضي في هذا التاريخ وليس له من مسوغ للاستمرار بها فيكون حكم الإلغاء بمثابة المنجد له؟ وهل تكون ثورة 14 جانفي 2011 قد أبطلت مخطط بن علي للحصول على مدة أو مدتين رئاسيتين بعد سنة 2014؟ إننا لا نشكك في صدق القائمين بالدعوى، فهم لم يكونوا عالمين بأن المحكمة الإدارية سوف تبقي صحائف الدعوى بدرج رئيسها الأول ودرج رئيس دائرته الابتدائية 6 سنوات، ولم يكونوا عالمين بأن رئيس المحكمة سوف يرفض طلب وقف التنفيذ رغم ما لوقوعه من نتائج يستحيل تداركها.. لكن وهل يرجو من المحكمة الادارية بعدما قاله أن تتسم بالاستقلالية والحياد، وأن تقضي بما تطمئن له ضمائر القضاة المتعهدين بنظر القضية؟ لقد كان الحل الأمثل بعد أن استغرقت القضايا في طور البداية سنة 2008 هو طلب طرحها وعدم مواصلة التقاضي أمام جهاز ثبت انحيازه الى سلطة مصدر القرار الطعين، وفي ظروف تشير الى أن بن علي لم يسمح بالطعن في الأوامر الترتيبية سنة 2002 إلا ليتم الطعن في الأمر عدد 629 لسنة 2002 والشواهد على ذلك عديدة: - إن بطانة بن علي من أساتذة القانون الدستوري البارزين والمبرزين لا يحملون على الخطإ غير المتعمد في نطاق اختصاصهم الدستوري بهذه السهولة. - إن تزامن القانون عدد 11 لسنة 2002 الذي صير الأوامر الترتيبية قابلة للطعن، وقد كانت محصنة صراحة من الطعن، مع الأمر المطعون فيه يشير الى إمكانية تعمد بن علي جر معارضيه الى هذا الطعن. - إن تنقيح المجلة الانتخابية بالقانون الأساسي عدد 58 المؤرخ في 4 أوات 2003 الذي أضاف لها فصولا منظمة للاستفتاء تتعلق بنفس المواضيع التي تناولها الامر الترتيبي المطعون فيه يدل على أن الامر الترتيبي كان خارقا للقانون لتعديه على مجال السلطة التشريعية ، فهل تأتي الحكومة بعد سنة واحدة من صدور الأمر المطعون فيه، وبعد أن علمت بوقوع الطعن في أمر الاستفتاء لتقدم نصا تشريعيا يثبت أن أمرها الطعين فاقد الشرعية؟ - إن تصرف المحكمة الإدارية المخجل يدل على تدخل السلطة السياسية وقيامها بتسيير الأمور داخل المحكمة. ومع كل ذلك فإن صحيفة الدعوى، ومرافعة الأستاذ عبد الوهاب معطر لا يمكن أن تدل الا على شيء واحد هو صدق القائمين بالدعوى ورغبتهم في فضح نظام بن علي، فما تمت نسبته الى شخص بن علي ونظامه يفضح شموليته واستخفافه بالقانون وتلهفه على الحكم وامتهان إرادة الشعب» ويريد محدثنا أن يخلص الى القول بأن «المخلوع» كاد يورط القائمين بالدعوى عن طريق الألاعيب القانونية لكن الثورة لم تمهله وإلا لكان ركب أمر الطعن واستأثر بمدة رئاسية أخرى بعد 2014.