تحوم سحابة من الغموض حول مزاعم واشنطن كشف مؤامرة إيرانية تستهدف اغتيال سفير المملكة العربية السعودية لدى الولاياتالمتحدة، حيث غابت القرائن والحجج الكافية لإثبات وجود هذه المؤامرة أصلا كما أبرزه العديد من المحللين الأمريكيين ناهيك عن ضلوع طهران فيها حقيقة. ولعل غياب مثل هذه القرائن والأدلة هو الذي جعل الرئيس الايراني محمود أحمدي نجاد يسارع على الفور إلى تفنيد هذه الاقاويل ووصفها ب»المزاعم الشيطانية»، ودفع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إلى المطالبة بالكشف عن الدليل الذي استندت اليه واشنطن في اتهاماتها لطهران، وذلك على خلاف الاتحاد الاوروبي الذي لم يتردد في تأييد المزاعم الامريكية، بل وذهب أبعد من ذلك حيث سعى بمعية الولاياتالمتحدة عبر قنواتهم الديبلوماسية الى حشد الدعم الدولي وتأليبه ضد إيران من أجل ممارسة المزيد من الضغط على نظام أخذ في التغول وأصبح مصدر قلق أقليمي ودولي بسبب برنامجه النووي. وبالتالي فالسؤال الذي يجدر طرحه في الوقت الراهن هو: ما مصلحة واشنطن في الاعلان عن حادثة، مضى عليها أربعة أشهر، في هذا الوقت بالذات؟ وما هي الاهداف المرجوة من وراء ذلك؟ إن الواضح أن ما أبدته طهران من تعنت وإصرار على المضي قدما في برنامجها النووي، رغم العراقيل التي كرستها الولاياتالمتحدة سواء عبر مجلس الامن أو في الخفاء وبطرق ملتوية قد بات يشكل كابوسا مزعجا يؤرق البلدان الغربية، وابنتها المدللة تل أبيب التي تسعى بكل ما أوتيت من جهد وقوة الى أن تكون القوة العسكرية النووية الوحيدة في الشرق الاوسط. لذلك وجدت الولاياتالمتحدة في هذه الاتهامات الفرصة السانحة لمزيد الضغط على إيران، وإن إقتضى الامر الدفع باتجاه الحل العسكري إزاءها، وهو ما بدأت أصداؤه تتردد بوضوح في الكونغرس الأمريكي في الفترة الأخيرة بعدما أثبتت العقوبات الاقتصادية فشلها في إخضاع النظام الايراني للمطالب الغربية وإرغامه على إعارة الاهتمام المطلوب للضغوطات الممارسة عليه وإثنائه عن المضي قدما في برنامجه النووي. وبالاضافة الى التهديد النووي، ترى الولاياتالمتحدة وحلفاؤها أن طهران أصبحت تشكل مصدر قلق للبلدان الخليجية وعلى رأسها المملكة العربية السعودية التي تربطها علاقات وثيقة مع واشنطن. فقد عمدت إيران في الاونة الاخيرة إلى اللعب على عامل التواجد الشيعي في كل بلدان الخليج خاصة البحرين، أين أصبح هذا المذهب يشكل الاغلبية الساحقة في البلاد، حيث تذهب عديد التحليلات إلى يد طهران غير بعيدة عن اختلاق التحركات الاحتجاجية المتدثرة بثوب الثورة وامتداد للربيع العربي بهدف قلب موازين القوى والاطاحة بالحكومة السنية القائمة هناك ليتصدر موالو المذهب الشيعي المشهد السياسي في المنامة، ولتصبح امتدادا مباشرا للنفوذ الايراني. ولعل هذا ما يفسر مسارعة دول الخليج العربية ممثلة بمجلس التعاون إلى نشر قوات درع الجزيرة في المنطقة من أجل احتواء الموقف، نظرا لأهمية التموقع الجغرافي للبحرين في حماية الأمن الخليجي. فهي تعد إحدى صفوف الدفاع الاولى، كما تعتبر التحركات الاخيرة للأقلية الشيعية شرقي السعودية، أهم منطقة منتجة للنفط في المملكة، بمثابة أجراس إنذار لتهديد استقرار المنطقة على المدى القصير في سياق مخطط مدروس لسحب البساط من تحت أقدام السلطة في الرياض كقوى إقليمية فاعلة في الشرق الاوسط على المدى البعيد. فهذه المخططات الايرانية لا تتعارض فقط مع مصالح المملكة العربية السعودية، بل تهدد أيضا وبشكل مباشر مصالح البلدان الغربية وعلى رأسها أمريكا في منطقة غنية بالنفط، حيث تؤمن السعودية بمفردها 40 بالمائة من إجمالي الانتاج العالمي. إذن، يبرز بوضوح أن الدافع الأساسي وراء المساعي الديبلوماسية الحثيثة لواشنطن لحشد التأييد الدولي ضد طهران هو ممارسة ضغط كاف لعزل النظام الإيراني سياسيا وقطع الطريق أمام مخططاته التي أصبحت تهدد بشكل مباشر مصالحها الاستراتيجية في المنطقة الشرق أوسطية، ما يعطي مصداقية لوجهات النظر القائلة بأن الاتهامات بمؤامرة لاغتيال السفير السعودي الجبير لا تعدو أن تكون مجرد مزاعم لا أساس لها من الصحة. ولعل من مرتكزات هذا الرأي أن النظام الايراني ليس بهذه الدرجة الكبيرة من السذاجة ليورط نفسه في دوامة جديدة من المواجهات مع المجتمع الدولي ويعطي واشنطن فرصة على طبق من ذهب لمزيد تضييق الخناق عليه من جديد. كما أن فيلق القدس الذي يشرف عليه المرشد الاعلى بنفسه ليس بهذا القدر من الغباء ليقدم على مثل هذه العملية في أكثر المناطق التي تحضى برقابة أمنية مشددة منذ أحداث 11 سبتمبر.