بقلم: محمد طعم أيهما أفضل الحاكم العادل الكافر أم الحاكم المسلم الظالم؟ سؤال قديم/جديد أسال الكثير من الحبر وتناوله بالبحث والتنقيب، بين مؤيد ومعارض العديد، من الفقهاء والسياسيين والباحثين والمؤرخين منذ أن انتهت الخلافة العباسية التي دامت أكثر من خمسة قرون بعد دخول جيش المغول بغداد في 20 فيفري 1258 وقتل الخليفة المستعصم بالله. ذكر ابن الطقطقي (ت 708ه) كيف أراد هولاكو استفتاء فقهاء بغداد بحثا عن مخرج شرعي يسمح لغير المسلم حكم المسلمين، فيقول «جمع (هولاكو) العلماء بالمستنصرية لذلك، فلما وقفوا على الفتوى أحجموا عن الجواب، وكان رضي الدين علي بن طاوس حاضراً المجلس، وكان مقدماً محترماً، فلما رأى إحجامهم تناول الفتوى، ووضع فيها تفضيل العادل الكافر على المسلم الجائر، فوضع الناس خطوطهم بعده» (الفخري في الآداب السلطانية والدول الإسلامية). وكان ابن الطقطقي قد ألّف كتابه المشار إليه أعلاه عام 1302، وأهداه إلى والي الموصل، فخر الدين عيسى بن إبرهيم النصراني، وسماه «الفخري» نسبة إليه. عرض فيه مؤلفه «ما يجب للملك على رعيته وما يجب لهم عليه»، ثم تناول فيه أهم الأحداث التاريخية بدءا بدولة الخلفاء الراشدين ثم الخلافتين الأموية والعباسية. يشير المؤرخون إلى فتوى بن طاوس (ت 664ه) بأنها سابقة سياسية فقهية شأنها شأن طلب هولاكو نفسه, إذ لم يسبق أن أعلن فقيه قبله، صراحة، تفضيله لخصلة العدل على صفة الإيمان بحكم أنه لم يتطرق أي خليفة إلى هذه المسألة البالغة الأهمية. في المقابل، دعا ثلاثتهم؛ الشافعي ومالك وبن حنبل إلى طاعة الإمام حتى وإن كان جائرا بشرط إعلان كراهة جوره وحثوا على ضرورة الصبر عند جور الحاكم لا لشيء سوى لأنه مسلمأو يقول إنه كذلك وذلك درء للفتنة التي قد تحصل, أما أبو حنيفة، فقد خالفهم وأفتى بشرعية الخروج على الحاكم الظالم وبأنه «يرى السيف في أمة محمد». شرح بن طاوس فتواه الجريئة التي فضّل فيها الحاكم العادل الكافر بقوله إن كفر الحاكم مقتصر على نفسه فقط عملا بمبدأ خصوصية العلاقة بين الخالق والمخلوق في حين أن عدله يطال الجميع والأمر نفسه ينطبق على الحاكم الظالم المسلم، يكون إسلامه أو إيمانه لنفسه فقط، أما ظلمه وجوره فإنه يؤذي ويضر كل المحكومين، وذلك وفق مبدأ أن الحكم يدول مع العدل (وإن صاحبه كفر) ولا يدوم مع الظلم (وإن رافقه تظاهر بالإيمان). مما يؤكد مقولة «العدل أساس الملك»، وليس الإيمان أساس الملك تعرض فتوى بن طاوس وفتواه معا إلى هجومات كثيرة تهدف إلى التقليل من قيمته ممن أسماهم، لاحقا، علي الوردي ب»وعاظ السلاطين» المنادين بعدم الخروج على أولياء الأمر مهما ارتكبوا من فظائع وجرائم في حق رعاياهم طالما أنهم يؤدون الصلاة ويأتون الزكاة وينطقون بالشهادتين. أما المدافعون عنه، فيرون أن الضمانات التي يوفرها الحاكم العادل لا نظير لها عند الحاكم الظالم: فالأول يوفر الأمان على النفس والعرض والمال والثاني يهدرها كلها. الأول يضمن الحرية والثاني يسلبها. الأول يقتص من الظالم أو المعتدي ويعيد حقوق المظلومين والمعتدى عليهم أما الثاني فلا يعتد بها. ورد لفظ العدل 28 مرة في القرآن وله تسعة معان تفيد أن؛ العدل سنة الله في خلقه، والشهادة تقوم على العدل، والعدل في المعاملات، والعدل بين الزوجين، والعدل بين الناس، والكفر ضد العدل، وعدل الإنسان في الدنيا يقابله العدل الإلاهي في الآخرة، والعدل مع النفس، وأن الكفر ضد العدل. أما لفظ الظلم، فقد ورد ذكره في القرآن 289 مرة، أي ما يفوق عشرة أضعاف المرات الذي ذكر فيها العدل. ويشير الباحث حسن حنفي إلى أن أغلب استعمالات لفظ الظلم جاءت بصيغة «أفعال وصفات وليست أسماء. فالظلم فعل بشري، وسلوك إنساني، وليس جوهرا ثابتا. فلم يذكر الظلم كاسم إلا عشرين مرة والأفعال والصفات حوالي 15 ضعفا من الاسم. والظالمون هم الناس والبشر. وهي الصفة الأكثر استعمالا حوالي نصف الاستعمالات. ولم يذكر المبني للمجهول «مظلوم» إلا مرة واحدة لأنه لا أحد يقبل أن يكون مظلوما، في الحياة أو في الممات». تشير كتب التاريخ إلى أنه ومنذ ما يزيد عن 14 قرنا، لم يسبق أن ثار الناس على حاكم بسبب إيمانه من عدمه، أو بسبب عدم أدائه الصلاة أو صيامه أو الحج أو الزكاة أو نطقه بالشهادتين بل بسبب ظلمه وجوره. غالبا ما يتوارى الحكام وراء جبة الإيمان ويتخذونها ذريعة للقمع والبطش والطغيان. حاضرا، لم تقم الثورة التونسية ولا المصرية ولا الليبية ولا اليمنية ولا السورية ولا البحرينية ولا العمانية بسبب ضعف إيمان الحكام بل بسبب إنعدام العدل والمساواة وانتشار الظلم والقهر. وماضيا خاطب معاوية بن أبي سفيان أهل العراق قائلا:» يا أهل العراق أترونني قاتلتكم على الصيام والصلاة والزكاة، وأنا أعلم أنكم تقومون بها، وإنما قاتلتكم على أن أتأمر عليكم، وقد أمرَّني الله عليكم. إنما أنا خازن من خزان الله، أعطي من أعطاه الله، أمنع مَنْ منعه الله»(القاضي عبد الجبار، فضل الاعتزال). ذكرمؤرخ تلك المرحلة رشيد الدين الهمذانى (ت 1318م)، أن المغول حكموا العراق لمدة 38 سنة وهم على ديانتهم البوذية. ودوّن إحتفالية إعتناقهم الإسلام قائلا:»إن غازان خان نطق بكلمة التوحيد في أوائل شعبان سنة 694ه (1294م) بحضور الشيخ صدر الدين إبراهيم بن حمويه، ومعه كافة الأمراء، صار الجميع مسلمين، ولقد أقيمت الولائم والأفراح، واشتغل الحاضرون بالعبادة»(جامع التواريخ، تاريخ غازان خان). لكن، وبمجرد أن اجتمعت لدى السلطان غازان خان سلطتي الدين والدولة شرع مباشرة في ممارسة مهام السلطة الدينية وأصدر مرسوماً «بتخريب كل معابد البوذيين ودور الأصنام والكنائس والبيع في دار الملك بتبريز وبغداد، وأطلق على نفسه لقب سلطان الإسلام.