بعد الفراغ الحاصل على مستوى الآداء البلدي خلال الفترة الأخيرة وما نتج عنه من تسيب برز بالخصوص في مظاهر البناء الفوضوي والعشوائي والانتصاب لمئات إن لم نقل لآلاف الأكشاك تولت دائرة الجماعات المحلية بوزارة الداخلية إعادة تنشيط البلديات ضمن لجان التسيير التي تم تنصيبها لمواصلة الآداء البلدي في كافة الجهات. وتولت هذه اللجان التي عوضت المجالس البلدية متابعة الأوضاع في جهاتها على جملة من المستويات، غير أنها اصطدمت بظاهرة البناء الفوضوي الذي عمت مظاهره كافة جهات البلاد. وضمن اهتمامها بهذا الجانب تركز تشاط هذه اللجان على جرد كافة أنواع البناء الفوضوي سواء تعلق بالبناء السكني والتجاري دون ترخيص أو ما ظهر من أكشاك شيدها أصحابها دون ترخيص، أو في فضاءات يمنع الانتصاب فيها على غرار الأرصفة والمناطق الخضراء ومحطات السيارات، وغيرها من الأماكن التي تمثل أما مسالك مرور أو متنفس للمدن والأحياء. وفي محاولة لإزالة كل هذه المظاهر أصطدمت هذه اللجان البلدية بتعنت واعتراض وتطاول من قبل باعثي هذه الأكشاك أو غيرها من أنواع البناءات التي تم تشييدها، الأمر الذي جعلها ترفع تقارير للسلط العليا في الغرض.
خطة لمجابهة الظاهرة
تقارير اللجان البلدية تم تجميعها بدائرة الجماعات المحلية بوزارة الداخلية أين وقعت دراستها. وقد علمنا أنه تم على إثر ذلك توجيه قرار سيتم بموجبه تنفيذ خطة للتصدي لمظاهر البناء الفوضوي التي ظهرت خلال الاشهر التي تلت ثورة 14 جانفى. وأفادت مصادر البلديات أن هذه الخطة ستقوم على مراحل تتمثل في مرحلة أولى بإبلاغ كل المواطنين من أصحاب تلك الأكشاك أو الذين شيدوا بناءات دون تراخيص بتسوية وضعياتهم أو إزالة تلك البنايات مهما كانت قيمتها. وسيتم ضمن هذا التمشي بعث لجان خاصة للمراقبة ومتابعة تنفيذ القرارات البلدية والتدخل أمنيا عند الاقتضاء.
مظاهر التجاوزات
وكانت مظاهر التجاوزات المسجلة على مستوى البناء وانتصاب الأكشاك قد شهدت حدا لم يسبق له مثيل خلال التسعة أشهرالأخيرة من عمر الثورة التونسية. ولم تسلم أي مدينة كبيرة أو صغيرة من مظاهر التجاوزات الحاصلة في هذا الجانب، وقد أدت هذه المظاهر إلى اعتداءات على الأرصفة والطرقات العامة والساحات الخضراء وغيرها من الأماكن العمومية التي كانت تمثل متنفسا للمدن وسبلا للمرور ومحطات للسيارات. وانعكس واقع هذه الفوضى العارمة في شكل تسيب واسع خاصة في ظل تراجع آداء البلديات والدوائر البلدية وغياب مراقبتها على وجه الخصوص، وتوقف العمل طبقا لرخص البناء التي كان جاريا بها العمل. وبلغت هذه التجاوزات حدا لا يطاق حتى أنه تم إحصاء انتصاب 1500 كشك بولاية أريانة لوحدها، وذلك دون جملة أنواع التجاوزات الأخرى المتمثلة في البناء بدون رخصة أو غيره من المجالات التي تدخل في البناء دون احترام المحيط والأجوار الذي تحدده القوانين البلدية على قاعدة رخص البناء التي تمنحها طبقا لدراسات ميدانية وأمثلة بناء صادرة عن مكاتب دراسات مختصة. وقد مثلت مظاهر هذه التجاوزات شكاوى ودعاوي قضائية كثيرة وتظلمات تعد بالمئات لدى مراكز الأمن والقضاء والبلديات التي وقفت عاجزة أمام تنامي الظاهرة في تحد سافر لكل القوانين، واعتداءات على المخططات المديرية للتطورالعمراني، وأشكال تجاوزات تصل في بعض الجهات حد المخاطر الناجمة المساس بالبعد الاجتماعي، والبيئي والنماء السكاني، وما إلى ذلك من انتهاك مجالات الأراضي الفلاحية التي لا تحول صبغتها إلى سكنية إلا من خلال دراسات معمقة للتوسع العمراني الخاضع لاحتياطات ودراسات جيولوجية للتوقي من كافة أنواع المخاطر التي تنجم عن الفيضانات أو غيرها من الأسباب.