آسيا العتروس تصريحات السيد حمادي الجبالي الامين العام لحركة النهضة ومرشحها الابرز لمنصب رئاسة الحكومة بعد أول انتخابات تعددية وديمقراطية تشهدها البلاد تستوجب أكثر من توضيح وتتطلب وضع النقاط على الحروف وتجنب المزيد من الغموض والالتفاف والازدواجية في المواقف ما خفي منها أو ما ظهر. والامر لا يتوقف عند حدود ما خفي من عملية المخاض العسيرالتي ترافق المفاوضات الخاصة بتركيبة الحكومة المرتقبة وما تكشفه يوما بعد يوم في طياتها من تلهف على السلطة وصراعات للفوز بوزارات السيادة، ولكن أيضا بما جاء على لسان السيد الجبالي نهاية الاسبوع في مدينة سوسة من تبشير بمستقبل الخلافة السادسة وذلك في نفس الوقت الذي كان حزب التحرير يقيم في القيروان حملته الدعائية ويوزع الاف النسخ من دستوره المعتمد على أحكام الشريعة والارجح أن المسألة لا تتعلق بزلة لسان ولا "بخطئ مطبعي" فالامين العام لحركة النهضة كان يرتجل كلماته الحماسية ولا شك أنه أكثر من يدرك وقع تلك الكلمات أمام ذلك الحضور الشعبي الذي تجمع بمسرح الهواء الطلق بجوهرة الساحل. لقد أصاب الجبالي عندما شدد على أن تونس كانت وستبقى مهد الثورة التي اهتز لوقعها العالم وهو ما نقره ونفخربه جميعا، ولكنه أخطأ عندما سمح لنفسه أن يعلن بأنها ستكون منطلق الخلافة السادسة. وفي غمرة النشوة والحماس ذهب الجبالي الى تبشير الحضور "بدورة حضارية جديدة في الخلافة الراشدة "وقد لا نقدم جديدا اذا اعتبرنا أن هذا لم يكن ضمن الحملة الانتخابية للنهضة التي طالما شددت على أنها حركة سياسية وليست دينية ولا حتى الهدف الذي منح من أجله الناخبون أصواتهم للحركة... قد لايختلف اثنان بشأن موقع ودور حركة حماس النضالي من أجل حق الشعب الفلسطيني في استعادة حقوقه المشروعة فقد كانت القضية الفلسطينية ولا تزال حاضرة بقوة في الثورات العربية وفي أذهان الشعوب في توقها للكرامة والحرية ولكن الحقيقة أيضا أن في تعمد الامين العام لحركة النهضة استغلال وجود ممثلة لحركة حماس للتبشيربالفتح القادم بالخلافة السادسة أمرلا تفسير له وهو مجانب للصواب... وبعيدا عن السقوط في اصدار الاحكام المسبقة وفي انتظار توضيح علني صريح يزيل الشكوك والغموض والمخاوف المتفاقمة بشأن المستقبل، فان ما صدرعن السيد الجبالي وهوالذي طالما كان مجرد ذكر اسمه يؤرق النظام السابق الذي لم يجد أفضل من السجن للتخلص منه، يذكرنا للاسف بتلك الممارسات الخطيرة التي تلجأ الانظمة الفاسدة الى اعتمادها كلما واجهتها أزمة اقتصادية داخلية أولاحقتها اتهامات منظمات حقوقية بانتهاك حقوق الانسان فتلجأ الى دعوة أحد رموز القضية الفلسطينية لتحويل الانظارعما يحدث وتجييش المشاعر فتتحول بذلك القضية الفلسطينية الى طوق نجاة للطغاة من مواجهة الغضب الشعبي. بعد أسبوع من الان من المنتظر أن نكون على موعد مع أول اجتماع للمجلس التأسيسي وهوموعد يتطلع اليه التونسيون لمواجهة القضايا والتحديات المصيرية التي تنتظرالبلاد في هذه المرحلة التاريخية الحاسمة وتجنب القضايا الهامشية المفتعلة التي لا تخدم البلاد والعباد في شيئ فمن سنصدق وهل سنكون على الموعد من أجل دولة مدنية تحترم حقوق الجميع دون استثناء؟