أثارت القضية المتعلقة بالرسم العقاري عدد 18785 الكائن بالمنستير جملة من ردود الأفعال القانونية فالعقار على ملك قيس بن علي وزوجته لكن المصادرة شملت النصف العائد بالنظر للزوج فقط وهو ما يتعارض مع مرسوم المصادرة وخلف ذلك أكثر من تساؤل حول التمييز بين زوجات عائلة وأصهار الرئيس «المخلوع» وزوجة قيس ابن شقيقه.. «الأسبوعي» حصلت على نسخة من الرسم العقاري وقرار التجميد والمصادرة وعرضته على هيئة تحرير «جمعية القانون والتطبيق» التي تستعد لاصدار كتابها الثاني حول «الفساد القانوني في تونس» للتعليق على القرار فوافتنا بالتوضيحات التالية: "بالإطلاع على مرسوم المصادرة عدد 13 لسنة 2011 وتحديدا القائمة المرفقة به نجد أن المشرع لم يكتف بمصادرة أموال عائلة الرئيس السابق وأصهاره أي أشقاء زوجته وأبنائهم بل شمل بالمصادرة أيضا أزواج وزوجات بعضهم، من ذلك ليلى زوجة الحبيب بن الحاج حمدة بن علي وسالمة زوجة صلاح الدين بن علي وبولات زوجة التيجاني بن علي وأمال زوجة سليم بن التيجاني بن علي وهالة زوجة محمد مراد الطرابلسي. لكنه لم يتعرض إلى بعض الزوجات، مثل زوجة المدعو قيس بن صلاح الدين بن علي، فلماذا ميز المشرع بين تلك الزوجات؟ ارتباط النسب والمصاهرة بالمخلوع إننا لا نكاد نجد أي جواب مقنع، فالمشرع لم يقف عند حد زوجات إخوة الرئيس المخلوع بل تعدى ذلك إلى زوجات أبناء إخوته مثل زوجة سليم بن التيجاني بن علي، فلماذا لم تدرج زوجة قيس بن صلاح الدين؟ الأمر قد يختلف هنا، فبالاطلاع على أحد الرسوم العقارية الراجعة إلى ملك المدعو قيس بن علي وهو الرسم العقاري عدد 18785 المنستير يتبين انه يملكه بالإشتراك على الشياع مع زوجته المسماة «م ش» وقد تمت مصادرة المنابات الراجعة للأول دون منابات زوجته، فلماذا التمييز بين هذه الزوجة وبين غيرها؟ وإذا خلصنا من هذا التساؤل دون جواب، فإن الرسم العقاري المذكور كشف لنا تجاوزات للقانون، إذ تشير إحدى صفحات الرسم العقاري إلى أنه تم «تجميد نشاط هذا الرسم إلى حين البت في قضية تحقيقية وذلك بطلب من قاضي التحقيق، ولقد تم التنصيص على هذا المطلب في خانة الترسيمات، ليتم بعد ذلك الشطب على التنصيص المتعلق بتجميد نشاط الرسم بطلب من لجنة المصادرة مؤرخ في 9 جويلية 2011 ثم يتم ترسيم عملية المصادرة فتنتقل ملكية المنابات الراجعة إلى قيس بن علي بالرسم لفائدة ملك الدولة الخاص وذلك بناء على قرار لجنة المصادرة عدد 33 المؤرخ في 9 جوان 2011 المودع بتاريخ 12 جويلية 2011. لكن وأين إدارة الملكية العقارية من كل ذلك، فهل كفت عن ممارسة التحقيقات التي يقتضيها مبدأ شرعية الترسيم أم أن التعليمات الإدارية وجدت طريقا فسيحا قلما كانت تجده في عهد الفساد البائد؟ سوف نجيب على هذه التساؤلات تباعا للوقوف على الحد الذي بلغه الإستخفاف بالقانون في تونس. تجميد نشاط الرسوم العقارية تجميد الرسوم العقارية سلطة لم يمنحها القانون لقاضي التحقيق، وإذا كان قاضي التحقيق متعهدا بقضية تهم مالكي الرسم المذكور وتتعلق في شقها المدني بذلك الرسم فما على القائم بالحق المدني، إن كان يريد حفظ حقه، إلا أن يطلب إدراج قيد احتياطي لدعواه، وإذا كان الحق المدني مبلغا ماليا، فإنه يسوغ للقائم به طلب إدراج اعتراض تحفظي أما تجميد الرسم العقاري فهذه نتيجة لطالما حاربها المشرع، أما إذا كان قاضي التحقيق يسعى لحفظ حق الدولة في انتظار المصادرة، فقد حمل مرسوم المصادرة هذا العبء على لجنة المصادرة التي كانت في تاريخ طلب التجميد الصادر في شهر أفريل 2011 قائمة الذات تؤدي نشاطها. إن حق الملكية من حقوق الإنسان الأساسية، فكيف يستباح بهذه الصورة، وإذا كان المدعو قيس بن علي قد شمل بمرسوم المصادرة فإنه ليس المالك الوحيد إذ توجد مالكة أخرى لم تشملها المصادرة، فكيف تجمد أملاكها دون مسوغ من القانون؟ رفع التجميد وترسيم المصادرة اقتضى الفصل 7 من المرسوم عدد 13 لسنة 2011 المتعلق بمصادرة أموال الرئيس السابق ومن معه ما يلي: «بانقضاء الأجل المنصوص عليه بالفقرة الأولى من الفصل 6 من هذا المرسوم، تحرر لجنة المصادرة تقريرا يتضمن».. وجاء بالفصل 8 من ذات المرسوم ما نصه: «مع مراعاة أحكام الفقرة الأخيرة من الفصل الأول من هذا المرسوم تتولى لجنة المصادرة بناء على التقرير المنصوص عليه بالفصل 7 من هذا المرسوم القيام بالإجراءات الإدارية والقانونية اللازمة لنقل الأموال العقارية والمنقولة والحقوق المصادرة لفائدة الدولة. وإذا علمنا أن المدة المنصوص عليها بالفصل 6 المشار إليه هي ستة أشهر بداية من تاريخ نشر المرسوم، فإنه يكون من واجب لجنة المصادرة الاقتصار على أعمال الجرد خلال هذه المدة وبداية من يوم 18 سبتمبر 2011 يكون على اللجنة البدأ في تحرير تقريرها لتشرع إثر ذلك في القيام بالإجراءات الرامية إلى نقل الأموال المصادرة إلى الدولة. غير أنه بالاطلاع على الرسم العقاري المار ذكره يتبين أن لجنة المصادرة اتخذت قرار مصادرة منابات المدعو قيس بن علي بتاريخ 9 جوان 2011 وتم ترسيم هذه المصادرة بتاريخ 22 جويلية 2011. وهكذا يتضح أن لجنة المصادرة خرقت القانون الذي يحكمها. فلماذا؟ إن مسارعة اللجنة إلى مصادرة نصف العقار بشكل مخالف للقانون يثير تساؤلات عديدة، لا نجد أي جواب مقنع لها. غموض لقد استجابت إدارة الملكية العقارية للمطلبين الواردين عليها، فجمدت نشاط الرسم العقاري بطلب من قاضي التحقيق في انتظار البت في قضية جنائية وذلك دون مسوغ من القانون، ثم رفعت الجمود عن الرسم بطلب من لجنة المصادرة ورسمت عملية نقل الملكية إلى الدولة بصورة مخالفة لقانون المصادرة. فهل أن قرار لجنة المصادرة يثبت أنه تم البت في القضية التحقيقية التي تم التجميد لأجلها أم أن لجنة المصادرة أرفع درجة من عميد قضاة التحقيق حتى تنهي العمل بمطلبه؟ من جهة أخرى فإن مسك السجل العقاري يخضع إلى مبدإ شرعية الترسيم الذي يقصد به مطابقة الترسيمات وغيرها من الأعمال المنوطة بعهدة ادارة الملكية العقارية لمقتضيات القانون حيث اقتضى الفصل 390 من م ح ع ان «لا تقع مباشرة العملية المطلوبة الا اذا كان الحق المراد ترسيمه أو قيده احتياطيا من الحقوق التي أقرتها هذه المجلة والتي يجب اشهارها وأن لا يتعارض الترسيم أو القيد الإحتياطي أو التشطيب المطلوب مع البيانات الواردة برسم الملكية وأن لا يوجد في القانون ما يمنع المعني بالأمر من التصرف في الحق الذي تمت احالته أو انشاؤه وأن الوثائق المدلى بها تأييدا لمطلب الترسيم تبيح مباشرة العملية المطلوبة». وللغرض فقد أوجب الفصل 306 من مجلة الحقوق العينيّة على مدير الملكية العقارية أن يباشر قبل قيامه باية عملية جميع التحقيقات التي تقتضيها مجلة الحقوق العينية. الأمر الذي يؤخذ منه ان ممارسة الشرعية لا تقتصر على جانب من العمليات دون غيرها وانه لا قيد على مدير الملكية العقارية في تلك الممارسة، اذ وردت عبارة النص المذكور مطلقة فتؤخذ على اطلاقها".