الموقف الوارد على لسان نائب وزير الخارجية الروسي واضح ولا يحتمل أي تأويل بخصوص رفض روسيا «تحول الحلف الأطلسي إلى شرطي عالمي» بل إنه يرى أن الحلف يجب «أن يكون الأداة التي تضمن سيادة أمن لا أعضاء الحلف فحسب بل وكل المجتمع الدولي». عندما ترفض روسيا ... الموقف الوارد على لسان نائب وزير الخارجية الروسي واضح ولا يحتمل أي تأويل بخصوص رفض روسيا «تحول الحلف الأطلسي إلى شرطي عالمي» بل إنه يرى أن الحلف يجب «أن يكون الأداة التي تضمن سيادة أمن لا أعضاء الحلف فحسب بل وكل المجتمع الدولي». إن مثل هذه التصريحات التي تصدر بين الفينة والأخرى عن الحكومة الروسية تبرز مدى امتعاض روسيا من تنامي دور الحلف الأطلسي خصوصا في ضوء توسيع منطقة تدخلاته وأهدافه لفترة ما بعد الحرب الباردة وبالنظر إلى الأهداف الخفية التي لم يفصح الحلف عنها بشأن مواجهة تنامي القوة الصينية وعودة روسيا إلى استعراض قوتها على أكثر من صعيد. ولا شك أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أبدى خلال سنوات حكمه أسلوبا مغايرا للنهج الذي سار عليه سلفه وأول رئيس للاتحاد الروسي يلتسين، حيث بدا بوتين مصرا على جعل روسيا تعود قوية على الساحة الدولية مثلما كان شأن الاتحاد السوفياتي السابق وهو ما جعل الغرب عموما يتخوف من إعادة إحياء النمط السوفياتي في روسيا بل إن الأمر وصل إلى حد التشكيك في النظام الديموقراطي الروسي ومحاولة وصفه بالشمولية وإلصاق شتى النعوت السلبية به . ولم يكن المرء يتصور أن تعود الحرب الباردة بين الولاياتالمتحدةوروسيا إلا عندما شرعت الإدارة الأمريكية في تركيز الدرع الدفاعي قريبا من الحدود الروسية، ومع ذلك يمكن القول إن جملة من المعطيات ساعدت واشنطن على كسب نقاط عديدة على حساب روسيا وفي مجالها الحيوي أي أوروبا الشرقية وجمهوريات آسيا الوسطى وذلك خصوصا منذ تفجيرات 11 سبتمبر 2001. وقد تتحمل روسيا جانبا من مسؤولية ترك الإدارة الأمريكية تتزعم العالم وتنفذ استراتيجيتها طويلة المدى للهيمنة على منابع النفط في الخليج وآسيا إذ كثيرا ما اتخذت مواقف منحازة للسياسة الأمريكية ولم تستخدم نفوذها في مجلس الأمن الدولي بل إن مواقفها كانت متذبذبة تجاه ملفات وقضايا إقليمية عديدة مثل الملف النووي الإيراني والوضع في العراق والقضية الفلسطينية . لقد أصبحت روسيا تمثل قوة تتحكم في جانب كبير من مصادر الطاقة التي يحتاجها الغرب خصوصا أوروبا وبالتالي يحسب لها حساب غير أنه يتعين على روسيا أن تكون عنصرا فاعلا على الساحة السياسية بأن تسعى إلى تعديل كفة موازين القوى في العالم بمشاركة بلدان أخرى لها وزن ومستقبلها واعد . لقد صبغ بوتين الحياة السياسية الروسية بطابعه واتخذ سياسة واضحة لبناء روسيا القوية ليس بالتصادم المباشر بل بأسوب هادئ وهو ما يعني أن روسيا خلال بضع سنوات ستكون قوة لا يستهان بها، ولعل هذا ما انتبه إليه الحلف الأطلسي بتركيزه على مواصلة التوجه شرقا والاقتراب شيئا فشيئا من الحدود الروسية والصينية أيضا.