استحوذ الفصل 7 من مشروع القانون المنظم للسلط العمومية على جزء كبير من النقاش في الجلسة الصباحية وجزء من الجلسة المسائية للمجلس التأسيسي، وقد شهد تعديلا في صياغته بعد اعادته إلى اللجنة المختصة التي اجتمعت خلال فترة الاستراحة واقترحت صيغة جديدة توافقية للنص وافقت عليها الغالبية العظمى للنواب، مع اعتراضين فقط. وشهدت الجلسة المسائية توافقا نادرا بين المعارضة والأغلبية على الصيغة الجديدة للفصل.. وكان لغموض الفصل في صيغته الأصلية ولخطورته المحتملة حسب وصف بعض النواب، والذي يمنح بمقتضاه المجلس التأسيسي تفويضا لصلاحياته التشريعية للرئاسات الثلاث في الظروف الاستثنائية، ولقابلية تأويله، سببا وجيها في تهافت طلبات تعديله ليس فقط من المعارضة ولكن ايضا من بعض أعضاء الائتلاف الثلاثي.
مقترح المعطر يثير المعارضة
أكد عبد الوهاب معطر، في افتتاح الجلسة المسائية،أن البلاد في حاجة لاسئتناف مؤسسات الدولة لنشاطها وتتطلب منا حث الخطى في نسق مناقشاتنا لمشروع قانون التنظيم الوقتي للسلطات وعملنا ابعد ما يكون عما يجب ان يكون عليه، لا بد من تصحيح المسار والاسراع في الانتهاء والمصادقة في اقرب وقت.. وقال أننا لسنا بصدد مناقشة دستور دائم يتطلب مثل هذه المناقشات بل نحن نتدوال حول نص خاص بتنظيم السلط المؤقتة. وهو نص مؤقت وليس دائما يمكن للمجلس ان يراجعه في أي وقت.. وكانت ردود افعال المعارضة عنيفة للغاية وعبرت عن رفضها الشديد لمقترح عبد الوهاب المعطر.. وطالبوه بالاعتذار..وطالب عصام الشابي التعامل بإيجابية مع مقترح اللجنة وقال إن مثل هذه التدخلات تتسبب في تعطيل الجلسة... ويتمثل المقترح الجديد للجنة في اعادة صياغة الفصل 7 المجلس التأسيسي وهي صياغة حظيت بموافقة المعارضة بإعطاء المجلس التأسيسي حق التثبت من "الظروف الاستثنائية او الحالات الطارئة". وجاء التعديل كالتالي:" إذا طرأ ظرف استثنائي يعطل سير دواليب الدولة ويجعل من المتعذر على المجلس التأسيسي مواصلة عمله العادي فله بعد التصريح بتحقق كل الظروف وبأغلبية اعضائه ان يفوض اختصاصه التشريعي او جزءا منه لرئيس المجلس ولرئيس الجمهورية، ولرئيس الحكومة ويمارس الثلاثة الاختصاص الموكول اليهم عبر اصدار مراسيم بالتوافق بينهم ويجتمع المجلس بدعوة من رئيسه او من ثلث اعضائه او عند تيسر اجتماعه لإعلان انهاء التفويض بأغلبية أعضائه ثم ينظر في المراسم او تعديلها او الغائها..." ورغم ان المعارضة عبرت عن موافقتها على الصيغة الجديدة للفصل، على غرار احمد نحيب الشابي الذي توجه بشكر خاص لبن جعفر لإصراره على إعادة الفصل إلى اللجنة وشكر عمل اللجنة..وقال إنه تخلى عن مقترحه الذي تقدم به لتعديل الفصل المذكور بعد الصياغة التوافقية للفصل، وفي الوقت الذي استبشر فيه الجميع ببروز توافق فعلي بين اعضاء المجلس، جاء تدخل ابو يعرب المرزوقي مغايرا إذ رفض صياغة الفصل في شكله الجديد وقال إنه يسحب البساط من السلطة التنفيذية المخوله الوحيدة في التحقق من الظروف الاستثنائية.. وقد طالب عدد كبير من النواب في الجلسة الصباحية بإعادة صياغة الفصل 7 او الغائه، وتوضيح بعض المفاهيم الواردة فيه على غرار مفهوم "الظروف الاستثنائية"، وذهب البعض إلى التحذير من خطورة هذا الفصل الذي يسمح في صيغته الأولى بتأويلات سياسية ويمهد لعودة الدكتاتورية ومسك جميع السلطات بيد واحدة.
تأثر وشبه اجماع على اعادة صياغة الفصل 7
وصل التأثر بالنائب نعمان الفهري (عن آفاق تونس) إلى حد البكاء حين شدد على خطورة الفصل 7 الذي يذكره بمشهد لا يرغب في تكراره الشعب التونسي. وطالب الفهري في مداخلة تأثر لها الجميع وربما كانت القطرة التي دفعت بمصطفى بن جعفر رئيس الجلسة إلى اتخاذ قرار يحسب له برفع الجلسة للراحة والتشاور وتمكين اللجنة من إعداد القانون المنظم للسلط العمومية للاجتماع واعادة صياغة الفصل المذكور. وطالب الفهري على غرار عدد كبير من النواب من مختلف الكتل والانتماءات السياسية اما الغاء الفصل او اعادة التشاور فيه لما فيه من خطر توجيه، وقال:" نحن في وضع يشبه ما وقع في ما بعد 1956 إذ انتخب الشعب التونسي مجلسا قوميا تأسيسيا لصياغة الدستور ثم اعلن المجلس سلطته العليا وأعلن النظام الجمهوري ثم قرر أغلبية أعضاؤه الرجوع للمهمة الوحيدة وهي صياغة الدستور.. وفعلا رفع المجلس الجلسة عند الساعة منتصف النهار والنصف مع دعوة لجنة اعداد مشروع القانون التاسيسي المتعلق بالتنظيم المؤقت للسلط العمومية الى صياغة الفصل السابع حسب المقترحات الواردة عليها. وتنص الصيغة الأصلية للفصل السابع من قانون السلط العمومية على امكانية "ان يفوض المجلس الوطني التأسيسي بأغلبية أعضائه اختصاصه التشريعي او جزء منه لرئيس المجلس ورئيس الجمهورية ورئيس الحكومة في الظروف الاستثنائية اذا ماطرأ ما يعطل السير العادي لدواليب السلط العمومية". وقد اتفق عدد هام من المتدخلين في النقاش على ضرورة تحديد الظروف الاستثنائية التي يتم بموجبها هذا التفويض ومدته "حتى لا يفتح الباب للتاويلات او القراءات المختلفة وحتى لا يكون التفويض مدخلا لمصادرة الحريات "واقترح عدد منهم ان يكون الظرف الطارئ "خطرا داهما او قوة قاهرة تهدد سلامة الوطن واستقلاله ووحدة ترابه". وهو مقترح تقدمت به كتلة الحزب الديمقراطي التقدمي. واعترض نواب على مسالة تفويض المجلس سلطته او التخلي عنها لاي طرف كان باعتبار ان "المجلس هو السلطة الوحيدة والاصلية التي تحظى بشرعية شعبية"، وطالب بعض النواب مثل احمد الخصخوصي عن حركة الديمقراطيين الاشتراكيين بإعادة النص إلى اللجنة للأخذ بعين الاعتبار مجمل المقترحات من حيث المضمون والصياغة.. واجمع نواب على أن الجمع بين الرؤساء الثلاثة حتى يقرروا الظرف الاستثنائي ويتفوقوا على اصدار مراسيم أمر صعب التحقق معربين عن الخشية في ان لا تتوصل هذه الاطراف الثلاثة الى الاتفاق في الوقت المناسب..
تباين في القراءات
واقترح بعض النواب أن يفوض المجلس أما لرئيسه اولرئيس الحكومة او رئيس الجمهورية اتخاذ القرارات المناسبة بالتشاور مع الطرفين الاخرين على ان يبقى المجلس في حالة انعقاد دائمة ليراقب سلامة الاجراءات المتخذة والحكم اما بمواصلة الحالة الاستثنائية او رفعها. وقال محمد كريفة (المبادرة) أن الفصل "في ظاهره يبدو جميلا ويشرّك اربعة أطراف" الا انه لاحظ وجود غموض في مفهوم "ظروف استثنائية"وتساءل كيف سيتم العمل إذا غاب التوافق عن الرؤساء الثلاثة، فيما استغرب محمد ناجي الغرسلي (التقدمي) من تجريد صلاحيات المجلس من صلاحياته التشريعية دون تحديد واضح لمفهوم الظرف الاستثنائي. الملاحظ أن بعض نواب كتلة حركة النهضة طالبوا ايضا بتوضيح بعض المسائل الغامضة الواردة في الفصل 7 وعبروا عن خشيتهم من تفويض المجلس لسلطاته التشريعية دون آلية واضحة لعودتها إليه بعد انتهاء الموجب. فقد حذرت سعاد عبد الرحيم (حركة النهضة) من امكانية تواجد فراغ تشريعي في حالة عدم الحصول على الإمضاءات الثلاثة، وتساءلت عن كيفية إزالة مدة التفويض وارجاع السلطات التشريعية إلى المجلس، كما تساءلت سنية تومية (حركة النهضة) عن كيفية تخلى المجلس عن سلطته التشريعية لسلطات أخرى وقالت "هذا يتنافى مع الديمقراطية" وأكدت على ضرورة تحديد الظروف الاستثنائية..
مطالبة بحذف الفصل
واستفسر عدد من المتدخلين عن صيغة الاغلبية المطروحة داخل المجلس للمصادقة على التفويض اما بثلثي الاصوات او بنسبة 50 زائد واحد في حين ذهب عدد اخر الى المطالبة بحذف هذا الفصل اذا لم يتم توضيح مختلف نقاطه التي "يشوبها الغموض" على حد قولهم. وكان أحمد نجيب الشابي (التقدمي) خلال الجلسة الصباحية قد عبر عن رفضه تفويض المجلس لاختصاصه التشريعي او جزء منه لأي طرف آخر وتعويضه بإبقاء المجلس في حالة انعقاد دائم مع السماح لرئيس الجمهورية باتخاذ كل الإجراءات والتدابير التي يستوجبها الظرف الاستثنائي. وعلل هذا الرفض بكون التجارب التاريخية السابقة "أثبتت أنه كلما فوض مجلس ما سلطاته في الحالات الاستثنائية لجهة ما فان بذلك يفتح بابا للدخول في المجهول ولعودة الإرهاب و الاستبداد".