تستعد وزارة الثقافة الإيرانية بالتعاون مع بعض الأطراف في بلادنا لإنجاز شريط سينمائي طويل وضخم عن العلامة التونسي عبد الرحمان بن خلدون مثلما أفاد بذلك مؤخرا المخرج الإيراني جواد شمقدري الذي يشغل حاليا منصب المستشار الفني للرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد خلال زيارته مؤخرا لبلادنا على هامش تنظيم الدورة الأولى لأيام السينما الإيرانية. ولئن نستحسن هذه المبادرة ونثمن فكرة تقديم أثر سينمائي يحتفي أو يقدم العلامة الخالدة نظير ما قدمه للإنسانية عامة ولتاريخ تونس والتونسيين خاصة من خلال مؤلفاته المنوعة في الأدب والتاريخ والعلم والفقه... وما كتب عنها من دراسات وما ترجم منها إلى سائر اللغات فإننا نعبر بالمقابل عن استغرابنا واستنكارنا لتفويت فرصة تقديم عمل فني تونسي بحت عن ابن خلدون. ومدعاة هذا الاستنكار هو ما نلاحظه ما تكالب للسينمائيين التونسيين وغيرهم ممن نصبوا أو ادعوا أنهم رموز الثقافة ومدارس معتدة بذاتها في قطاعات مختلفة ثم أن ما تحصل عليه أعمالهم من دعم من سلطة الإشراف تقدر بمئات الملايين من أموال الدولة يعني الشعب إلا أنهم غير قادرين على تقديم وصنع أعمال عالمية وتاريخية تؤرخ لقضايا حضارية وثقافية وشخصيات تونسية شكلا ومضمونا على غرار ابن خلدون وغيره.... بل الأنكى أن ما يتحصلون عليه من دعم يذهب لتقديم أفلام وأعمال درامية أقل ما يقال عنها أنها أساءت بشكل أو بآخر للمجتمع والمرأة والثقافة التونسية على حد السواء حتى أن أغلب ما قدم من أعمال يكاد يكون غريبا عن الواقع والمتلقي التونسي. لكن ما يعزز تخوفنا من توجه بعض الأطراف والهياكل إلى خيار فتح باب التعاون مع السينما الإيرانية أو الأوروبية أو غيرها من العروض والمبادرات الوافدة في هذه المرحلة الانتقالية الهامة في مسار بناء وإعادة هيكلة المؤسسات والرؤى الثقافية هو أن تنجز أعمال تطرح وتعالج قضايا ومسائل من الشأن الوطني سواء منها ما تعلق بما هو تاريخي حضاري أو من الراهن المعيش برؤى وطرح أجنبي على نحو يجعل المحتفى به أوالموضوع المعالج أيضا غريبين عنا لنسقط في نفس الوضع المزري لهذه القطاعات في زمن العهد البائد. مما يعني أن ابن خلدون كما يقدمه الشريط الإيراني التونسي المنتظر قابل لبعض التحويرات من قبيل نفي عروبته وتوْنسته وطرحه لنراه فارسي في أفكاره وشرقي في ثقافته وإنساني في علمه ومعرفته وغريبا عنا في طرحه. علما أنه منذ سنوات قليلة خلت طالعتنا أخبار مفادها أن المخرج التونسي شوقي الماجري تقدم بمشروع عمل سينمائي ضخم حول هذا العلامة إلى سلطة الإشراف قصد بحث إمكانية دعم هذا الإنجاز الضخم على نحو يكون في مستوى وقيمة العلامة الذي خلد للإنسانية أثرا معرفيا وعلميا. ولكن ظل هذا المشروع حبيس الرفوف إلى يوم الناس هذا.