يبدو أن الائتلاف الثلاثي الحاكم، بحاجة إلى مراجعة الأسس التي قام عليها التقاء الأحزاب الثلاثة: حركة النهضة والمؤتمر من أجل الجمهورية والتكتل من أجل العمل والحريات، إذ لا يكفي أن يكون ثمة التقاء على أجندة حكومية، يقتصر الأمر فيها على الحقائب الوزارية وعملية التصويت في المجلس التأسيسي، فالائتلافات لها منطقها وشروطها وحيثياتها.. صحيح أن الخلافات بين مكونات الائتلاف مهمة ومطلوبة لإنضاج العلاقات التي تربط الثلاثي، وصحيح أيضا أننا بصدد تجربة جديدة لم تتعود فيها أحزابنا على العمل المشترك، والالتقاء السياسي رغم الاختلافات الإيديولوجية العميقة، لكن الصراعات والمناكفات التي ظهرت مؤخرا بين مكونات الائتلاف، أو صلب كل حزب من الأحزاب الثلاثة، أمر شديد الحساسية، لأنه لا يمس هذا الحزب أو ذاك فحسب، إنما يطال الائتلاف برمته، ويهدد الأغلبية في المجلس الوطني التأسيسي، وبالتالي قد يقلب المعادلة في هذا المجلس بين الأقلية والأغلبية، بحيث لا يستبعد إذا ما استمرت الأمور الخلافية بين الحين والآخر بين هذه الأطراف الثلاثة، أن يتفتت التحالف وتعاد صياغة الأغلبية والأقلية بشكل مختلف، وهذا ما تراهن عليه بعض الأطراف في الداخل كما في الخارج.. وإذا كانت قيادات ال "ترويكا" تحرص في كل مرة على لملمة الأمور وإنقاذ هذه الوضعية أو تلك، وإعادة المياه إلى مجاريها صلب الثلاثي بعد المشاورات، وبقدر هام من التوافق، إلا أن ذلك لا يستمر طويلا، إذ سرعان ما يحل محله خلاف جديد، يؤجل موقفا ما، أو يؤخر ظهور خيار معين، مثلما حصل في الأيام الأخيرة فيما يتعلق بإعلان تشكيل الحكومة، عندما عرف حزب المؤتمر من أجل الجمهورية تصدعا داخله، على خلفية الحقائب الوزارية والأمانة العامة للحزب، في أعقاب استقالة الرئيس المنصف المرزوقي من المسؤولية الحزبية الأولى، ليس هذا فحسب، بل إن التكتل ذاته دخل على الخط من خلال مراجعته للحقائب الوزارية التي حصل عليها، و"فتحت شهيته" للحصول على حقيبة جديدة بقطع النظر عن هويتها واختصاصها.. من المؤكد أن الائتلاف الثلاثي نشأ وفقا لمعادلة سياسية محددة، وأقام علاقاته على أساس تصور مشترك للمواقف والعلاقات وكيفية التحرك في المجلس التأسيسي وفي المشهد السياسي والحكومي، لكنه لم يحصن نفسه على ما يبدو من إمكانيات التجاذب بين مكوناته أو صلب كل حزب، ولم يتصور أن تؤثر فيه بعض الاهتزازات الحزبية هنا أو هناك، ومن داخله بالذات، لذلك كلما يصاب حزب من الأحزاب الثلاثة بنزلة برد، يعطس الثلاثي برمته، وتكون الأقلية المجلسية أو المعارضة في المشهد السياسي، في موضع "التطبيب" عن بعد، بحيث يكثر التشخيص والتشخيص المضادّ، وتنشط المزايدات، وتتسع دائرة الراغبين في "تهشيم" زجاج الأغلبية ب «أحجار» صديقة أحيانا، و«عدوة» أحيانا أخرى، والنتيجة، مزيد من المخاوف صلب النخب المتوجسة أصلا، وضمن المجتمع الذي يريد الاستقرار ويرنو إلى الوفاق.. على ال "ترويكا" أن تسارع بوضع إستراتيجية عمل للفترة المقبلة في كنف التوافق، وضمن معايير العمل السياسي والحكومي المشترك، وعلى أرضية واضحة، لا تؤثر فيها المناكفات، لأن أي تصدع في الائتلاف، سيؤدي إلى تصدع في المجلس التأسيسي وفي المشهد السياسي، قد يزيد في إرباك الرأي العام ويضخم من مخاوفه، ويفتح المجال لسيناريوهات نعتقد أنها موضوعة على الطاولة بانتظار اللحظة المناسبة، وهو أمر لا تتحمله تونس ولا شعبها الذي لا ينتظر سوى الخروج من عنق الزجاجة..