محمد الطوير لا شك أن كل من تابع تطورات الأيام الأخيرة في سوريا واطلع على ما صدر من تصريحات حتى الآن عن بعثة المراقبين التي أرسلتها جامعة الدول العربية إلى هذا البلد، قد أصيب بالدهشة للفارق الشاسع بين الأمرين والذي يصل إلى حد التناقض التام. فأن تؤكد كل المعلومات الصحفية بما في ذلك تسجيلات الفيديو التي تذاع على الفايسبوك والمواقع الأخرى المماثلة على الشبكة العنكبوتية استمرار النظام السوري في مجابهة المحتجين في حمص وغيرها من المدن السورية المنتفضة سلميا عليه بقوة السلاح والامعان في قتل المزيد منهم حتى بعد قدوم المراقبين العرب، فيما يطلع رئيس هؤلاء المراقبين الفريق أول الركن السوداني محمد أحمد مصطفى الدابي بتصريحات توحي بعكس ذلك تماما عبر وصفه للحالة بأنها "مطمئنة" وتشديده على أنه "لم يتم معاينة أي شيء مخيف" في المناطق التي شملتها مهمته إلى حد الآن، أمران يدفعان للتساؤل عن الأهداف الحقيقية المرسومة من الجامعة العربية لمهمتها غير المسبوقة في القطر السوري الشقيق وما إذا كانت بالفعل مطابقة لما هو معلن رسميا ألا وهو مراقبة ما يقع من خروقات وانتهاكات لشروط الحفاظ على سلمية الصراع وتحديد الجهة المسؤولة عنها. ولعل هذا يحيلنا بدوره إلى طرح سؤال لا يقل أهمية وهو ما إذا كانت الجامعة العربية قد غيرت، تحت وطأة الانقسامات المستمرة في المواقف الدولية من الأزمة السورية والخشية من بلوغها مرحلة التدويل، أولويات تحركها ليصبح محاولة ضمان البقاء لنظام بينت الأحداث والتطورات أنه بات مرفوضا تماما شعبيا بدل الانتصار لإرادة شعب عبّر بكل ما يملكه من وسائل سلمية عن توقه للتحرر والانعتاق من الظلم والاستبداد. للجامعة العربية وكل القادة العرب نقول إن مثل هذا التوجه في حال تأكده، سيكون محكوما بالفشل الذريع لسبب بسيط وهو أن النظام الحاكم في سوريا قد فقد شرعيته تماما منذ اليوم الأول الذي تجرأ فيه على مجابهة احتجاجات أبناء شعبه بالحديد والنار وفسح المجال لقواته و"شبيحته" بالامعان تقتيلا فيهم وانتهاكا لحرماتهم الجسدية والمعنوية، وهي جرائم تقع تحت طائلة القانون الدولي باعتبارها جرائم ضد الانسانية. والمؤكد أن عزيمة هذا الشعب سوف لن تفل وهي اليوم أقوى من أي وقت آخر بعد الصمود الرائع الذي أبداه على امتداد الأشهر الطويلة الماضية، والتي أنهكت النظام ولم تنهكه.