- سمعت ورأيت من بعض الشخصيات التي عملت مع الرئيس السابق وممن عمل بالقصر ومن بعض المدعين المعرفة يحللون شخصية هذا الرجل فيخلصون إلى أن الرجل أبله، أحمق،جاهل، قد جمع كل مركبات النقص، ومع ذلك فمن هذه الفئة من عمل عنده أكثر من مرة فكان يدعوه إلى الوزارة متى شاء ويطرده متى أراد، وكان يدخل فرحا مسرورا ويخرج فرحا مسرورا يصرح بأنه مهما فعل به سيده الرئيس فسيبقى جنديا وفيا يخدمه من أي موقع يضعه فيه، وكان من بين هؤلاء الأستاذ الجامعي والطبيب الحاذق والمهندس الماهر والحقوقي المشهور والمدافع عن حقوق الإنسان.فهل لعاقل أن يصدق أن رجلا غبيا في هذا العصر يمكن أن يحكم طيلة هذه الفترة شعبا يدعي الوعي والذكاء ؟ فقد يكون الرجل جاهلا بالتاريخ والأدب والحقوق وعلوم أخرى،وقد يكون لا يحذق أية لغة من اللغات،وقد يكون لا يحسن الحوار والإلقاء وقد يكون غير قادر على التواصل، لكن أظن أنه كان على قدر من الذكاء وعلى نصيب وافر من الدهاء والرياء والبلاء. وإن وجدنا ما يبرر ارتقاءه في الرتب العسكرية، فلسائل أن يسأل كيف تسلق الوظائف الحكومية حتى افتكّ الرئاسة والرجل لم يكن من أصحاب الجاه ولا المال ولا العلم،ثم لا بد أن نسأل كيف استطاع أن يسخر لخدمته هذا العدد الهائل من الكفاءات والخبرات؟وفي ما نشر السيد صالح عطية بجريدة الصباح (الثلاثاء 17 ماي 2011) تحت عنوان « تشكيلة حكومات بن علي منذ 7 نوفمبر 1987 « أحصينا 205 وزيرا وكاتب دولة دون اعتبار المستشارين والولاة وغيرهم من المسؤولين النافذين كل هؤلاء عملوا عند هذا الرئيس وهم دون استثناء يفوقونه علما وثقافة. عندما ننظر في هذه القائمة الطويلة ونتمعن في هذه الأسماء نجدها جميعا قد ساهمت في وضع سياسة النظام السابق ورسخته وروجت له في الداخل والخارج وإن كانت بنسب متفاوتة، وأنها كانت مسؤولة في الحكومة والحزب الحاكم،وكم تجولت وصالت وجالت في كل أنحاء البلاد تروج لسياسة الرئيس وتندد بمن يخالفه الرأي أو التوجه.بل ذهب البعض إلى أبعد من ذلك فأصبح منظرا يؤلف الكتب وينشر المقالات في فكر» بن علي» ونظريته في الحكم ومقارباته الرشيدة في التعامل مع القضايا الوطنية والدولية، فأين هم اليوم بعد مرور سنة على إبعادهم وابتعادهم؟ وماذا نطلب منهم اليوم؟ وبما أن من الإجحاف أن نجمعهم كلهم في سلة واحدة، فمن الإنصاف أن نصنفهم حسب أعمالهم وتصرفاتهم. فمنهم من أساء إلى الشعب وهو واع بما فعل، وساهم في الفساد على جميع مستوياته واستفاد منه ماديا ومعنويا، وأهلك البلاد والعباد، فنحن نطالب بأن يقدم هؤلاء إلى القضاء أو إلى ما سمي بالعدالة الانتقالية. ومنهم من استبله الشعب بأن روج لفكر بن علي وأعد برامجه الانتخابية التي عوضت مخططات الدولة، ومنهم من ساهم في وضع القوانين التي ساعدت على إثراء فئة على حساب مقدرات الشعب، ومنهم من ساعد الفاسدين من المقربين حتى وإن كان عن غير دراية، ومنهم من أفاد واستفاد من غير وجه حق،ومنهم حسب لغة القضاء من تعمد «استغلال شبه موظف لصفته لاستخلاص فائدة لنفسه أو لغيره لا وجه لها أو الإضرار بالإدارة»، ومنهم من ساهم في إطالة حياة هذا النظام اعتقادا منه أنه يخدم الشعب . نحن نطلب من هؤلاء جميعا أن تكون لهم الجرأة اليوم والشجاعة كي يصارحوا الشعب بما فعلوا ويعتذروا له، وأنا واثق من أن هذا الشعب سيغفر لمن أخطأ عن غير قصد. ومنهم من حاول أن يعمل لصالح البلاد فأفلح أو لم يفلح ولكنه لم يستفد شخصيا.ومنهم شرفاء عملوا بإخلاص لصالح الدولة والشعب ولم يضعفوا أمام الإغراء أو التهديد، وخرجوا من النظام السابق نظيفي الأيادي والجيوب لا يخشون لومة لائم ،هؤلاء ندعوهم أيضا إلى الاعتذار وإلى العودة في مواقع أخرى للمساهمة في بناء المجتمع الحديث والاستفادة من خبراتهم. وملخص القول يمكن أن أجمعه في ما رواه (التوحيدي في إمتاعه) عن الأمير الذي لامه البعض عن سوء علاقته بالرعية فردّ عليهم « كما تكونون يولّى عليكم» أو أردد مع الرئيس بورقيبة هذه الآية الكريمة التي كثيرا ما كان يستشهد بها» إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم». * متفقد عام للتربية