في الوقت الذي تسارع فيه نسق الاضطرابات الاجتماعية والامنية يبدو أن تيارين كبيرين يتقاسمان الشارع التونسي من شماله الى جنوبه وكلاهما يحذر من «الخطوط الحمراء» :مناصرون للاعتصامات ولظاهرة قطع الطرقات والحركة على السكك الحديدية حتى تبدأ الحكومة فورا في معالجة ملفات البطالة والفقر وأسر الشهداء والجرحى، مقابل تيار ينتقد الحكومة وقوات الأمن بسبب «تراخيها وترددها في التصدي للذين يتجاوزون القانون ويمنعون الغالبية الساحقة من العمال من الالتحاق بمراكز عملهم ومساكنهم».. فإلى أين تسير البلاد؟ هل باتت مقبلة على «ثورة جديدة» مثلما يروج في بعض المواقع الاجتماعية؟ وهل باتت قوات الأمن «عاجزة» عن التصدي لمجموعات صغيرة جدا تعطل حركة المرور ومصانع عمومية وخاصة مؤسسات وطنية عملاقة مثل شركة فوسفاط قفصة ومعامل الاسمنت؟ وما هو رأي مسؤولي الدولة والمعارضة وعلماء الاجتماع وخبراء استطلاعات الرأي؟ الملفت للنظر ان القيادة المركزية للاتحاد العام التونسي للشغل اعلنت بوضوح امس انها تساند «المطالب الشرعية» للعاطلين عن العمل وللعمال والفقراء لكنها ترفض التحركات غير القانونية والدعوات للعصيان المدني والتحركات الفوضوية.. وهذا الموقف مهم جدا.. وقد اكده امس مجددا السيد المولدي الجندوبي الامين العام المساعد للاتحاد.. الجبالي ينسق وسيتدخل وحسب ما اوردته مصادر مسؤولة ل»الصباح» امس فان مصالح الامن تحاول ان تتجنب التصعيد «رغم الندءات الصادرة في هذا الاتجاه في وسائل الاعلام والمواقع الاجتماعية».. وان «رئيس الحكومة السيد حمادي الجبالي سيخاطب الشعب مساء غد مباشرة عبر شاشات التلفزة والقنوات الاذاعية».. في الاثناء فان اعضاء الحكومة ومستشاري رئاسة الوزراء بصدد الحوار مع مممثلي مختلف الجهات المعنية بالتحركات.. ويقوم السيد حمادي الجبالي «حتى ساعة متاخرة من الليل» بتنسيق الاتصالات بين ممثلي المجتمع المدني ووزراء الشؤون الاقتصادية والمالية والفنية والاجتماعية.. بحثا عن تطمينات عاجلة وفورية للعاطلين والفقراء وعن توجيه رسائل واضحة للمواطنين وللمحتجين تؤكد على وجود «مسار اصلاحي حقيقي فوري، ثم على المدى المتوسط والطويل» حتى تعالج المشاكل الهيكلية الموروثة عن العقود الماضية..
أموال سعودية وقطرية
لكن المضي في هذا البرنامج يستوجب اموالا اضافية والابتعاد عن الخطوط الحمراء.. اي استبعاد سيناريو «العصيان المدني» و»قطع الطرقات» و»غلق منافذ المصانع والشركات».. و»كل أشكال العنف».. وعلمنا ان وزراء الشؤون الاجتماعية والتنمية الاجتماعية والتخطيط والاستثمار والفلاحة والتجارة والصناعة اكدوا لمخاطبيهم النقابيين والعاطلين عن العمل امس واول امس في الرديف والحوض المنجمي وفي الشمال الغربي وجندوبة والقصرين وبقية الجهات على ضرورة «عودة الهدوء واحترام كل الاطراف للقانون.. لتبدأ الدولة في تجسيم الخطوات الاولى للتدخلات المبرمجة ضمن قانون المالية وميزانية عام 2012.. على ان تعالج ملفات اخرى عند رسم الميزانية التكميلية في شهر مارس..» وتتفاءل اطراف قريبة من الحكومة بان تقدم الميزانية التكيميلية «اضافة نوعية» في توفير سيولة مالية مهمة.. من بينها رؤوس اموال سعودية وعربية.. مكملة للمساهمة القطرية الاولية (ودائع بقيمة 500 مليون دولار).. التي يمكن ان تكون فاتحة عهد جديد في الشراكة الاقتصادية التونسية الخليجية»..
الجبالي في جولة خليجية
ولتحقيق ذلك علمنا انه من المقرر ان يقوم السيد حمادي الجبالي ووزير خارجيته بجولة خليجية تشمل خاصة الشقيقة المملكة العربية السعودية.. كما علمنا ان رئاسة الحكومة والاطراف المشاركة في الائتلاف الثلاثي -وخاصة رئاسة حركة النهضة بزعامة السيد راشد الغنوشي- قرروا القيام باتصالات وتحركات ديبلوماسية رسمية اضافية بقيادة وزير الخارجية رفيق بن عبد السلام واخرى شعبية (ضمن ما يعرف ب»الديبلوماسية الموازية») لتوظيف علاقات زعامات احزاب الائتلاف الحزبي الحاكم والمقربين منهم مع صناع القرار في العالم العربي الاسلامي واوروبا وامريكا والدول المغاربية والدول الإسلامية الآسياوية.. بهدف جلب استثمارات وموارد اضافية للدولة.. «دون الوقوع في فخ تكبيل الاقتصاد الوطني بالديون»..
المرزوقي وبن جعفر
واذا كانت زيارات الغنوشي والوفد المرافق له سابقا الى الجزائر وليبيا والمغرب وقطر قد فتحت فرصا جديدة للشراكة بينها وبين تونس فمن المؤمل ان يقوم الدكتور المنصف المرزوقي قريبا بدروه بزيارات لعدد من العواصم المغاربية والعربية والغربية.. وهو ما سوف يقوم به كذلك رئيس المجلس الوطني التاسيسي الدكتور مصطفى بن جعفر الذي له علاقات متطورة مع الاتحاد الاوروبي ومع منظمة الاحزاب الاشتراكية الدولية.. وقد تعهد بتوظيف علاقاته وعلاقات حزبه معها خدمة لتونس واقتصادها وإنجاح ثورتها.. علما ان كتاب الدولة في وزارة الخارجية ينتمون الى الاحزاب الثلاثة المكونة للائتلاف.. وهو ما يمكنها من توظيف مزدوج للديبلوماسية الرسمية والشعبية (او الموازية) في تحسين علاقات تونس الدولية وجلب موارد مالية اضافية للدولة.. حتى تبدا معالجة معضلات البطالة والفقر والتهميش والخلل بين الجهات..
آخر استطلاع رأي
وحسب آخر استطلاعات الرأي التي أجراها منتدى العلوم الاجتماعية برئاسة الدكتور عبد الوهاب حفيظ بعد تشكيل الحكومة في 26 ديسمبر الماضي فان «ثقة التونسيين في المستقبل وفي الحكومة تحسنت مقارنة بمرحلة ما قبل الانتخابات».. وخلافا لاستطلاعات «مؤسسات تجارية» ضخمت نسب التفاؤل (وجعلته يتجاوز 90 بالمائة)، فان منتدى العلوم الاجتماعية تحدث عن «تحسن مهم لكنه صغير.. فقد ارتفعت نسبة ثقة التونسيين في المستقبل وفي الحكومة الى 40 بالمائة مقابل 24 بالمائة في افريل و33 بالمائة في اوت الماضيين. لكن الملفت للانتباه في نفس هذا الاستطلاع هو ان نسبة التفاؤل بمعالجة سريعة لمعضلة البطالة لا تزال ضعيفة: 24 بالمائة مطلع هذا الشهر مقابل 23 بالمائة قبل الانتخابات.. في المقابل فان نفس الاستطلاع الجامعي والعلمي كشف تراجع الثقة في النقابات العمالية الى حوالي 18 بالمائة مقابل اكثر من 60 بالمائة اواسط العام الجاري.. بما ينبئ بوجود هوة سياسية واجتماعية خطيرة بين الذين يتحركون في الشوارع وتحركهم» نقابات اساسية وجهوية «وقيادات النقابات المركزية.. وهذا خط أحمر آخر..