واشنطن الصباح محمد طعم على الطبقة السياسية في تونس الاستماع لمطالب الشعب.. والتخلي عن الأجندات الحزبية التقت "الصباح" بالسيد ويليام تايلر، بعد أسابيع قليلة من استلامه منصبه الجديد في وزارة الخارجية الأمريكية باعتباره المنسق الخاص لتحولات الشرق الأوسط، والمعني تحديدا بالتحولات الجارية في تونس وليبيا ومصر. شمل الحديث ملامح الدستور القادم وفتح الجامعات الأمريكية للطلبة التونسيين وصعوبات المخاض الديمقراطي في تونس والتحديات الاقتصادية والسياسية التي يعيشها الشعب التونسي وما يمكن أن تسهم به واشنطن من أجل إنجاح المسيرة الديمقراطية في بلادنا.
السفير تايلر، كيف تقرأ واشنطن المشهد الحالي في تونس؟
نرى تونس كنموذج مهم جدا للمنطقة بل وللعالم. طبعا، الجميع يعلم أن الربيع العربي بدأ في تونس، وأن التونسيين هم أول من أجرى انتخابات حرة ونزيهة تم التعبير فيها عن رؤى وأصوات التونسيين بطريقة جيدة. ونحن نراقب تشكيل الحكومة بزعامة حزب النهضة في ائتلاف مع حزبين علمانيين. وبالتالي فإن هذا النموذج لانتخابات حرة ونزيهة وحكومة ائتلافية وحزب إسلامي معتدل يجعل منها نموذجا جيدا للمنطقة. نحن ندعم ذلك بقوة وسنعمل كل ما في وسعنا لإنجاحه.
نعم، أعتقد أن الوضع الاقتصادي حرج. أما سياسيا، أعتقد أنه يسير في الاتجاه الصحيح. الآن، يجب أن يترابط الوضع السياسي بالوضع الاقتصادي. فعند ما يكون الوضع الاقتصادي سيئا، يصبح النجاح السياسي صعبا. ومعظم الأوضاع الاقتصادية في تلك المنطقة مازالت لم تتأقلم بعد مع المناخ السياسي الجديد، وهذا وضع صعب.
البعض يقول بوجود تهديد جدي يجعل من هذه الديمقراطيات مفلسة، ما مدى صحة ذلك؟
سياسيا، يبدو لي أن التطور السياسي في تونس هو على ما يرام. وأن الائتلاف بدأ يعمل وهذا مهم. أما الوضع الاقتصادي فهو بحاجة إلى مساعدة. والمواطنون في حاجة إلى أن يلمسوا أن الديمقراطية الحديثة في تونس تعمل وتقدم خدمات، وهذه هي مهمة هذه الحكومة. ومن واجب المجتمع الدولي أن يقدم مساعدة أيضا.
بناء على خبرتكم بتجارب مماثلة في أوروبا الشرقية والعراق وأفغانستان، ما هي نصيحتكم للطبقة السياسية التونسية في الظرف الحالي؟
نصيحتي لهم بأن يستمعوا إلى مطالب الشعب وأنصحهم بالتخلي عن الأجندات الحزبية وبالعمل على تحقيق الصالح العام للمواطنين التونسيين، أي المصلحة العامة لكافة أطياف الشعب. وأن يدركوا أن ذلك سيكون صعبا وعليهم ان يطلعوا الناس على ذلك. وهذا أمر متأكد بحيث أن المرحلة الإنتقالية نحو إحلال الديمقراطية في تونس ستكون مفيدة سياسيا واقتصاديا والمجتمع الدولي ملتزم بمساعدة الشعب والحكومة في تونس على النجاح.
ضمانات اقتصادية
هل ستساعد الولاياتالمتحدةتونس على الوقوف على قدميها والتوجه في الطريق الصحيح باتجاه الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان؟ وإن كان الجواب بنعم، كيف؟
الجواب بنعم، قطعا. نود رؤية نجاح العملية الديمقراطية في تونس. لقد قمنا بأشياء كثيرة ونواصل القيام بالمزيد. ومنها معالجة المشكلة الاقتصادية، سنستخدم استقرارنا الاقتصادي لمساعدة تونس على رفع موازنتها بحيث سنمنح تونس ضمانات قروض لمساعدتها على الاقتراض كي تقدم خدمات وتدفع رواتب الموظفين. لقد منحنا تونس ضمانات ب30 مليون دولار مما سيخولها اقتراض 500 مليون دولار من السوق العالمية، وهو ما لم يكن بإمكانها القيام به دون هذه الضمانات إذ يصعب الاقتراض من السوق العالمية دون ضمانات أمريكية. ونحن نتفاوض حاليا مع الحكومة التونسية لتحديد الإجراءات الواجب اتباعها. ومن المنتظر تسليم القرض في الأشهر القادمة وهذا متوقف على التوصل لاتفاق بين الحكومتين.
ما هي الشروط المرتبطة بهذه الضمانات؟
أولا، نحن نتحاور في شأنها وستكون مبنية على أساس وجوب تركيز إدارة ديمقراطية واقتصادية سليمة. وهذا أمر يسهل على الحكومة التونسية القيام به. ثانيا، نحن خصصنا أموالا لما سميناه "صندوق القطاع الخاص"، وهو عبارة عن صندوق لتمويل الاستثمارات في تونس مخصص للقطاع الخاص سيقرر من سيحصل على قروض ونوعية الاستثمارات بإدارة تونسية-أمريكية مشتركة واسمه (Tunisia American Enterprise Fund)، أو " صندوق أعمال تونسي أمريكي".
أثناء حكم بن علي بل بورقيبة أيضا تُستثمر المساعدات الخارجية في المدن الكبرى وعلى الشريط الساحلي خارج المناطق الداخلية مهد الثورة التي لازالت مهمشة. هل ستأخذون بعين الاعتبار هذا الحيف؟
الجواب نعم، سيتولى هذا الصندوق تمويل القطاع الخاص ولا دخل للحكومتين التونسية أو الأمريكية فيه. بل الأمر كله منوط بعهدة القطاع الخاص، بحيث يمكن لجميع التونسيين من المناطق الداخلية والساحلية على السواء أن يتقدموا بطلبات قروض من الصندوق. هذا بالإضافة إلى برامج اقتصادية أخرى تمولها الولاياتالمتحدة تقتصر على المناطق الداخلية مثل برنامج يركز على التشغيل بإشراف "الوكالة الأمريكية للمعونة الدولية"، لبعث مراكز تكنولوجيا معلومات لتوفير مواطن شغل في هذا القطاع.
الطلبة المتفوقون
دعما للاستثمار في رأس المال البشري، هل ستساعد واشنطن الطلبة التونسيين المتفوقين من أبناء العائلات الفقيرة بحيث تكون هناك برامج منح دراسية تفتح أمامهم أبواب الجامعات الأمريكية؟ - نعم، هناك برامج تبادل تعليمي لجميع الطلبة وليس فقط لأبناء العائلات الميسورة، والاستفادة منها محصورة بالكفاءة الأكاديمية والنجاح في اختبار اللغة الإنقليزية للدراسة في الولاياتالمتحدة.. لقد تم وضع برامج منح تعليمية وبرامج "فولبرايت" وبرامج تدريب إعلامي وبرامج أكاديمية للجامعيين وبرامج تقنية أخرى. ويمكن معرفة المزيد عن هذه البرامج عن طريق السفارة الأمريكية في تونس.
سيادة القانون
أقدمت عناصر متطرفة على إغلاق جامعة كبيرة في تونس وهناك شكاوي من اعتداءات متكررة على الحقوق المدنية واعتداءات على الصحفيين والحكومة التونسية غير مبالية، هل تقبلون بهذه الممارسات؟
لا، فالتحول الديمقراطي والمبادئ الديمقراطية تسمح للناس بالتعبير بحرية والانتماء بحرية والتجمع بحرية، ونحن نعلم أن تونس لم تكن بلدا ديمقراطيا لزمن طويل ونعلم أيضا أن تحقيق ذلك سيستغرق وقتا. ومن غير المقبول أن يتعرض الصحفيون، أو أي كان، للاعتداء أو المضايقة أو السجن. لذلك وفي مناخ ديمقراطية حقيقية تصبح سيادة القانون مهمة جدا بحيث لا يمكن للمعتدين أن يفلتوا من العقاب. تتطلب سيادة القانون وجود سلطة قضائية مستقلة لمحاكمة المعتدين وقوات شرطة تسهر على تطبيق القانون، وهذه مكونات أساسية للديمقراطية التي نود دعمها. وهذا ما يجب تحقيقه في تونس. والحكومة الأمريكية لا تقبل بهذه الممارسات في تونس الديمقراطية. ومن وجهة نظرنا أعلن التونسيون عن رؤاهم عبر صناديق الاقتراع في الانتخابات الأخيرة لتأسيس نظام معتدل ومنفتح وأنا متأكد من تمسك التونسيين بمطالبهم وستكون الحكومة مسؤولة على تحقيقها وعلى الحكومة والشعب حل هذه المشاكل.
بناء على خبرتكم، بماذا تنصحون المشرفين على كتابة الدستور التونسي القادم؟
مرة أخرى، انصحهم بالإصغاء إلى الشعب. ومن حواراتي مع المسؤولين التونسيين عندما كنت هناك، استنتجت ان التونسيين يريدون دستورا ديمقراطيا منفتحا، وأربعون في المائة عبروا عن موقفهم من الإسلام وصوتوا للنهضة، وهذا أمر لا يضيرنا في شيء إذا كان هذا ما يريده الشعب التونسي. نحن نقبل بذلك ونأمل أن يشمل الدستور الجميع ويضمن الحماية للأقليات ويسمح للنساء بالمشاركة الكاملة وستكون هناك فرص جيدة أمام الشباب في ظل القانون وستكون هناك شفافية ومحاسبة ومساءلة للحاكمين وسيكون هناك توازن للسلطات بما يمنع الرجوع إلى الدكتاتورية. كما يجب الفصل بين الإدارة والأحزاب السياسية وأن يكفل الدستور سيادة القانون، وباعتقادي هذه سمات الدستور الذي يريده الشعب التونسي.
البعض يشير إلى المخاطر المحتملة جراء الوضع الراهن في ليبيا، هل هذه مخاوف مشروعة؟
ليبيا تختلف عن تونس، وكما ذكرت سابقا، فتونس هي نموذج وريادة وهي حققت خطوات إلى الأمام أسرع من جيرانها وأعتقد بإمكانها أن تصبح نموذجا لليبيا. وبإمكان الليبيين رؤية النجاح النسبي الذي حققته تونس. نعم لازال الوضع الليبي غير واضح المعالم وتشوبه صعوبات. والحكومة الليبية لازالت في المراحل الأولى لمعالجة هذه المشاكل وبدورنا نحاول مع المجتمع الدولي مساعدتهم أيضا. ونحن نعمل مع الليبيين وندرك أن الأمر سيستغرق وقتا وسيشكل تحديا.
حصل الإسلاميون على دعم مادي هائل من القطريين والسعوديين مما ساعدهم على الفوز في الانتخابات في بعض البلدان، في المقابل هل ستدعم واشنطن الأحزاب المدنية الأخرى؟
- واشنطن لا تقف مع أي جهة ضد أخرى، علمنا أن بعض الدول كالتي ذكرتها تقوم بذلك وتدعم أحزابا بعينها. نحن نقدم مساعدتنا لجميع الأحزاب التي تود المشاركة في التدريبات التي يقدمها الحزبان الأمريكيان (الجمهوري والديمقراطي). وفي الماضي أبدت الأحزاب المدنية اهتماما أكبر في المشاركة في هذه التدريبات. لكن عناصر حركة النهضة شاركوا فيها أيضا، وبعضها جرت في تونس. وعندما كنت في تونس قبل إجراء الانتخابات (أكتوبر الماضي)، زرت القيروان وحضر مشاركون من النهضة في اللقاءات هناك.
هل يمكن القول أن الإسلاميين يعيشون شهر عسل مع واشنطن؟
لا أعرف، لكن ما يمكنني قوله هو إعجابنا بحركة النهضة سواء في حملتها الانتخابية أوفي خطواتها الأولى وتشكيلها ائتلافا مع أحزاب مدنية ومسؤولوها يتصرفون بمسؤولية وأعتقد أن علاقتنا بهم جيدة إلى حد الآن. ولقاءاتنا بهم ليست حديثة العهد واتصالاتنا بقيادات إسلامية من مختلف دول المنطقة مثل تونس ومصر ودول أخرى استمرت منذ إدارة بوش وإلى حد الآن. وحاليا، بعد فوز حركة النهضة وجماعة الإخوان المسلمين في مصر في الانتخابات ارتفع حجم الاتصالات بيننا.
في 1979 ثار الإيرانيون وأطاحوا بحكم الشاه وجاء الملالي إلى السلطة ولا زالوا إلى اليوم، هل ستشهد تونس سيناريو مماثلا؟
لا أعتقد ذلك، وأنت تعرف الوضع التونسي أفضل مني. عندما كنت هناك وتحدثت إلى التونسيين تولد عندي انطباع قوي بأن التونسيين يريدون مجتمعا منفتحا وشامل وعصريا يحكمه دستور ديمقراطي وانتخابات حقيقية وهذا لم يحدث في إيران. وأنا لدي ثقة في الشعب التونسي. ويبدو لي، إلى حد الآن، أن الحكومة التونسية ذاهبة في هذا الاتجاه وليس في الاتجاه الإيراني.
في 1986 أطاح الفيليبينيون بنظام فيرديناند ماركوس وفي 1989 أطاح الرومانيون بنظام نيكولاي تشاوشيسكو، وكلا البلدين لم يصبحا ديمقراطيين إلى اليوم. فهل لا يخشى ان يكون مصيرالثورة التونسية مماثلا؟
بالرجوع إلى التاريخ نجد الكثير من الثورات، كالثورة الأمريكية التي نجحت منذ البداية وكانت هناك الثورة الفرنسية التي انحرفت عن مسارها قبل أن يتم إصلاحها و استغرق ذلك حوالي مائتي سنة. أما رومانيا، فهي حالة مختلفة وبولندا أيضا تشكل حالة مختلفة وقد أصبحت بلدا ديمقراطيا بالفعل. هناك الكثير من النماذج وأعتقد أن التونسيين سيجدون نموذجهم الخاص بهم. لكني متأكد من أن مصير الثورة التونسية سوف لن يكون شبيها بمآل الثورة الإيرانية، وآمل أن يكون شبيها بالثورة البولندية أو الأمريكية ونحن سندعم ذلك.
كيف تفسر واشنطن موقف حكام السعودية من الثورات العربية، وهل ستتدخل واشنطن لدى السعوديين لتسليم بن علي؟
أجرينا اتصالات حثيثة مع السعوديين وعلى كل المستويات وطلبنا منهم مساعدتنا على دعم الربيع العربي وبصفة خاصة في تونس وليبيا ومصر، ولدينا إحساس برغبة السعوديين في حصول نجاح واستقرار اقتصاديين في هذه الدول. السعوديون يفضلون الاستقرار وأخبرناهم أنه بالديمقراطية وحدها يتحقق الاستقرار. تقدر واشنطن أهمية العلاقة بين تونس والسعودية، ونحن عادة لا نتدخل في العلاقات الثنائية بين دولتين تجمعنا بهما صداقة، ونحن نأمل أن يتوصلا لاتفاق بشأن هذا الأمر.