شهداء ولايات تونس الكبرى ونابل وسوسة وزغوان وبنزرت سقطوا بعد إقالتي من وزارة الداخلية شهادة محمد الغنوشي هي صك براءة لي تنظر 13 فيفري الجاري المحكمة العسكرية بالكاف في قضية شهداء أحداث تالة والقصرين والقيروان وتاجروين وسيمثل رفيق بلحاج قاسم وزير الداخلية الأسبق أمامها رفقة بقية المتهمين وقد استقينا منه وبواسطة محاميه هذه الشهادة التي يحاول فيها طبعا تبرئة نفسه. يقول وزير الداخلية المٌقال قبل 14 جانفي 2011 بيومين: تعجب! كما هو معلوم تمت إحالتي أمام القضاء العسكري في كل من الكافوصفاقس ولن أعطي أي تعليق بخصوص القضيتين المنشورتين أمام محكمتيهما العسكريتين احتراما لسرية التحقيق حاليا. أما بالنسبة للقضية المنشورة أمام المحكمة العسكرية بتونس فأنا متعجب من حشري فيها ذلك أن كافة الضحايا الذين سقطوا بمرجع نظر المحكمة المذكورة (ولايات تونس وبن عروس ومنوبة واريانة وسوسة وبنزرت ونابل وزغوان) انما سقطوا بعد إعفائي من وزارة الداخلية صباح يوم 12 جانفي 2011 حيث سجل سقوط أكثر من 43 ضحية بداية من مساء يوم12 جانفي الى غاية يوم 14 جانفي2011 وبالتالي لا أتحمل اية مسؤولية في هذا الشأن بل إنه لابد في هذا السياق من ابراز مجهود قوات الأمن والحرس الوطني في التحلي بضبط النفس والحفاظ على أرواح المواطنين رغم الحالة العامة للبلاد وتواتر الاحتجاجات في تلك الولايات حيث لم تطلق في الفترة من 17 ديسمبر 2010 إلى حدود صباح يوم 12 جانفي 2011 أية رصاصة من قوات الأمن ولم يسجل سقوط أي ضحية في الولايات المذكورة وتضاف إليها ولايات صفاقس ومدنين وتطاوين وقابس والقيروان وباجة وجندوبة وسليانة والكاف وقفصة والمنستير في نفس الفترة. أما في خصوص الأحداث المتعهدة بها المحكمة العسكرية بالكاف والتي سقطت خلالها 22 ضحية بكل من تالة والقصرين ليلة 8 ويومي9 و10 جانفي 2011 فقد بينت الأبحاث إلى اليوم ان القيادات الأمنية الميدانية لم تتلق اية تعليمات باستعمال الذخيرة الحية تجاه المتظاهرين بل على العكس فإن كافة التعليمات كانت تصب نحو ضبط النفس وتفادي استعمال الذخيرة الحية سواء كانت تعليمات صادرة عني إلى القيادات الأمنية المركزية المعنية او الصادرة عن هذه الأخيرة إلى المسؤولين الامنيين على الميدان. سؤال: إن كانت هناك تعليمات بضبط النفس فكيف تفسرون سقوط الشهداء بمدينتي تالة والقصرين؟ ج: من الحري التذكير قبل كل شيء انني لست من القيادات الأمنية حتى يتسنى لي إعطاء تفسير أمني بحت حول أسباب سقوط الضحايا لكنه من خلال ما كان يبلغني من معلومات عبر قاعة العمليات وغيرها من المصادر الأمنية المركزية فإن سبب إطلاق الرصاص بالمدينتين المذكورتين فردي وبدافع القوة القاهرة والدفاع عن النفس وحماية المقرات الأمنية بعد استنفاد الوسائل التقليدية المتاحة فالسبب يعود اذن إلى تقدير من هو على الميدان وبالتالي يكون القرار حينيا وفرديا دون انتظار التعليمات مع الإشارة إلى ان الابحاث المجراة من قبل القضاء لم تتوصل بعد إلى تحديد أسباب اطلاق الرصاص بشهادة محاميي القائمين بالحق الشخصي الذين أجمعوا ان الأبحاث المجراة حاليا لا تسمح بأية استنتاجات ولا تمكن من إدانة أي طرف، والذين تساءلوا عن أسباب تأخر النيابة العمومية في التعهد بالموضوع ابان سقوط الضحايا والقيام بذلك بعد مرور أكثر من شهر عليها؟ سؤال: حسب تصريحاتكم أمام المحكمة العسكرية بالكاف يوم 16 جانفي 2012 يستشف ان العلاقة بينكم وبين الرئيس المخلوع خلال الأحداث لم تكن على ما يرام؟ ج: فعلا لم تكن على ما يرام، خاصة بداية من 30 ديسمبر 2010 بمناسبة قبول رئيس الدولة السابق لي حيث قدمت له تقريرا عن الحالة العامة للبلاد وما سجل في تلك الفترة من تحركات احتجاجية في عدد من الجهات مقترحا تأجيل العودة المدرسية بعد انتهاء العطلة الشتائية المقررة ليوم 3 جانفي 2011 إلى موعد لاحق تفاديا لما قد تشهده المدارس والمعاهد الثانوية من اضطرابات يمكن ان تمتد إلى الشارع وتعرض سلامة التلاميذ إلى الخطر، الا ان هذا الاقتراح لم يأخذ به الرئيس السابق واعتبره من باب تهويل الواقع وان العودة المدرسية ستتم في تاريخها المحدد. وكما لا يخفى على احد واثر عودة التلاميذ يوم 3 جانفي 2011 إلى معاهدهم سجلت خلال ذلك الأسبوع تنظيم مسيرات واحتجاجات شارك فيها كثير من التلاميذ وتخللتها أحيانا أعمال عنف واعتداءات على أملاك خاصة وعامة، وقد حرصت الوحدات الأمنية على التعامل مع تلك الأحداث بحكمة وصبر وحرفية، فلم تطلق أي رصاصة ولم تسقط أي ضحية والحمد لله خلال ذلك الأسبوع بالرغم من تعرض العديد من أفرادها إلى جروح متفاوتة الدرجات وتعرض عديد مقرات الشرطة والحرس الوطني إلى الاعتداء وقد كنت بناء على تقارير امنية أعلم الرئيس السابق يوميا بكل المستجدات مفيدا اياه في الأثناء ان الاحتجاجات في تطور وان المعالجة الأمنية ليست الحل الأمثل وان الإجراءات الاجتماعية الاقتصادية المعلن عنها بعد 17 ديسمبر 2010 لم تأت أكلها وان الوضع يدعو إلى اتخاذ إجراءات سياسية واجتماعية واقتصادية جديدة وعاجلة خاصة وان رقعة الأحداث مبوبة لتكون شاملة في الأيام القليلة الموالية. «ما عندهم وين يوصلوا» لم يستسغ الرئيس السابق هذا الموقف وصرح لي ان التقارير الأمنية مجانبة للواقع وأن الوضع ليس بالخطورة التي أتخيلها وأنني في نظره أبالغ وأهوّل في تقدير الأمور قائلا أن المحتجين «ما عندهم وين يوصلو» ومصرا على أن تواصل الاحتجاجات يعود خاصة إلى عدم حزم الأمن في ايقاف قيادات نقابية محلية وأخرى دينية ويسارية كانت توجه وتشارك في المسيرات الاحتجاجية حسب رأيه. وتعنت الرئيس السابق واصراره على موقفه السالف ذكره سيتأكد في مناسبتين اخريين. 1 خلال اجتماع الديوان السياسي للتجمع الدستوري الديمقراطي المنحل يوم 8 جانفي 2011 والذي توجه فيه من جديد باللوم لي بصفتي وزيرا للداخلية «لتهويلي للامور والمبالغة في تقديرها والحال ان المحتجين «ما عندهم وين يوصلوا» حسب قوله مضيفا ان الوزير «يعملي مرة دوش بارد ومرة دوش سخون باخباره اللي يصبها عليّ في كل مرة» كما انتقد القيادات الامنية التي لم تكن حازمة في ايقاف العناصر القيادية المشاغبة حسب قوله. وقد اقتصر الرئيس السابق على ذلك ومر مباشرة دون اعطاء الكلمة الى اعضاء الديوان السياسي المذكور، الى الحديث عن محتوى خطابه الذي سيلقيه يوم الاثنين 10 جانفي 2011. 2 من خلال تكليفي من قبل رئيس الدولة السابق بعقد ندوة صحفية حول الأحداث المسجلة بالبلاد وقد تم ابلاغي بهذا التكليف من طرف وزير الدولة المستشار الخاص السابق وبحضور مدير الديوان الرئاسي الأسبق يوم 10 جانفي 2011 حيث تم املاء عناصر الندوة عليّ كما حددها الرئيس السابق. الا انه لفت انتباهي ضمن تلك العناصر اشارة تقول ان مجموعات نقابية دينية ويسارية متطرفة شاركت في المسيرات واعدت تحركاتها لأحداث الفتنة الى جانب ان بعضها درب التلاميذ على استعمال قنابل المولوتوف فأبديت ملاحظة بانه لا يمكن التصريح بذلك باعتبار أن الأبحاث الأمنية الجارية الى حد ذلك التاريخ لم تؤكد ذلك وبالتالي تفتقد الى حجة قاطعة ثم ابلغت تلك الملاحظة بنفسي الى الرئيس السابق الذي لم يستسغها. وتمت دعوتي مع وزير الدولة المستشار الخاص السابق ووزير الاتصال السابق لحضور اجتماع في اليوم الموالي مع الرئيس السابق الذي كرر منذ بداية اللقاء قوله بضلوع عناصر نقابية ودينية ويسارية متطرفة في قيادة المسيرات والاحتجاجات متوجها باللوم اليّ والى الأمن الذي لم يقم باللازم لايقافها حسب تعبيره، فتتوقف بذلك الاحتجاجات في نظره، ومجددا عزمه نتيجة لذلك على اعفاء كل من يتعين اعفاؤه من كبار المسؤولين في وزارة الداخلية ومنهم خاصة القيادات الأمنية المركزية، ثم انتقل بعد ذلك الى سرد عناصر الندوة الصحفية قبل أن يقرر تكليف وزير الاتصال بعقدها بدلا عني وهو ما تم فعلا يوم 11 جانفي 2011. صك براءة سؤال: هل تعتقدون ان هذا التوتر هو الذي تسبب في إقالتكم من منصبكم؟ لابد في البداية ان أشير الى انه من باب الخطإ القول بان إقالتي من مهامي على رأس وزارة الداخلية تندرج في إطار رغبة الرئيس السابق في تغيير سياسة الدولة نحو الانفتاح والديمقراطية والتعددية بل ان العكس هو الأصح والدليل القاطع على ذلك ما أكده الوزير الأول السابق السيد محمد الغنوشي امام المحكمة العسكرية بالكاف يوم 16 جانفي 2012 حين صرح ان الرئيس السابق اتصل به يوم 14 جانفي 2011 وقال له ان الأمن سيستتب في البلاد ولو تطلب ذلك القضاء على الف او اكثر.. وعلى هذا الاساس فان اقالتي من وزارة الداخلية صباح يوم 12 جانفي 2011 كانت نتيجة منطقية لاختلاف الرؤى بيني وبين الرئيس السابق الذي ما انفك يتمسك بتعنته واصراره على ان المحتجين «ما عندهم وين يوصلوا» خاصة بداية من تاريخ 3 جانفي 2011، وعلى اني لم اطبق مطلبه (أي الرئيس السابق) بخصوص ايقاف العناصر القيادية للمسيرات من نقابيين ومنتمين لحركات دينية ويسارية التي لم يكن هناك أي دليل قاطع على قيادتها للمسيرات والتي كنت انا والقيادات الأمنية نرى ان ايقافها سيزيد في حدة التوتر والتصعيد وحصول ما لا تحمد عقباه. هناك موضوع اخر لابد من ذكره وساهم في اقالتي وهو توجيهي صباح يوم 8 جانفي 2011 الى رئيس الدولة السابق مكتوبا ذكرت فيه ما كنت ابلغه اياه في خصوص توسع الاحتجاجات والحاجة الملحة لاجراءات سياسية واجتماعية جديدة، كما طلبت فيه في صورة عدم رضاه عن ادائي على رأس وزارة الداخلية إعفائي من مهامي الامر الذي اغتاظ منه الرئيس السابق الذي خاطبني بالقول حرفيا «اذا قررت اعفاء مسؤول ما نشاور حتى حد». وهذه المعلومات كنت قد أدليت بها امام السيد قاضي التحقيق منذ سماعي يوم 3 فيفري 2011. سؤال: هل تعتقدون ان الرئيس المخلوع كان يرمي الى جعلكم كبش فداء عندما أعفاكم من مهامكم على رأس وزارة الداخلية؟. ج: فعلا لأني والقيادات الأمنية حرصنا على التعامل مع الأحداث منذ اندلاعها في 17 ديسمبر 2010 تعاملا رصينا أساسه ضبط النفس والتحلي اكثر ما يمكن على الميدان وخاصة تفادي كل ما من شأنه ان يزيد في حدة التوتر والتصعيد ولاسيما عدم المجازفة بايقاف دون مبرر قياديين نقابيين محليين ومنتمين لحركات دينية ويسارية اضافة الى المواقف التي صدرت عني مثلما أشير إليه سابقا والتي لم يستسغها الرئيس السابق. كل ذلك جعل هذا الأخير يعفيني من مهامي صباح يوم 12 جانفي 2011 وقد تبين من الخطاب الذي القاه الرئيس السابق يوم 13 جانفي 2011 الذي كرر فيه مرتين متتاليتين «سيحاسبون سيحاسبون» إراداته المكشوفة في تحميل مسؤولية أخطائه وسوء تقديره للأوضاع على كاهلي إذ بلغني حسبما تم تداوله اثر الخطاب المذكور أن الرئيس السابق كان يعد لتوجيه تهمة الخيانة العظمى ضدي ولكن مشيئة الله جعلت حسابات الرئيس السابق تسقط في الماء وجعلت إرادة الشعب تنتصر على الظالم يوم 14 جانفي 2011. سؤال: كلمة الختام في الختام إنني أجدد ثقتي في القضاء العسكري للفصل في القضايا المنشورة أمامه من اجل إعلاء كلمة الحق وإجلاء الحقيقة وتحديد المسؤوليات في كنف العدل والإنصاف والشفافية بعيدا عن أية ضغوطات مهما كان مصدرها حفاظا على حق الشهداء وعلى مصلحة المتهمين الشرعية.