مهما قدمت روسيا والصين من تبريرات لموقفهما الأخير في مجلس الأمن الدولي المتمثل في إقدامهما مجددا على استخدام حقهما في النقض (الفيتو) في مجلس الأمن الدولي لعرقلة صدور قرار دولي يدين النظام السوري وجرائم الإبادة غير المسبوقة التي ارتكبها - ومازال - في حق شعبه، ويدعو رأس هذا النظام لترك السلطة فورا لنائبه فاروق الشرع في سياق تسوية تؤدي إلى عملية انتقالية سلمية في هذا البلد العربي الشقيق، فإنها تبقى غير مقنعة، ليس لأبناء الشعب السوري المناضل فقط، بل ولكل المدافعين عن القيم الكونية من حرية وكرامة وعدالة وديموقراطية. فمثل هذا الموقف، وكما بينته التجربة، قد سبق أن أسيء فهمه من قبل الرئيس بشار الأسد وأركان نظامه بحيث زادوا من حدة القمع والتقتيل لشعبهم في حماه وحمص والزبداني وغيرها من المدن والبلدات السورية المنتفضة والثائرة، بدل الاستماع إلى صوت الحكمة والعقل والشروع فعليا في تنفيذ إصلاحات جذرية ترقى إلى المطالب الشعبية المشروعة المعبر عنها بكثافة ووضوح غير مسبوقين خلال المظاهرات الاحتجاجية المتواصلة منذ اكثر من عشرة اشهر. ويبدو مؤكدا أن موقف هذا النظام سوف لن يختلف هذه المرة أيضا بحيث سيرتكب نفس الخطإ المتمثل في اعتبار الفيتو المزدوج الروسي الصيني الجديد بمثابة دعم ومساندة غير مشروطين له من طرف هاتين الدولتين العظميين وضوء أخضر له لمواصلة استخدام حلوله الامنية الدموية وارتكاب المجازر بحق الابرياء من مواطنيه، وهو أمر تؤكده أحداث الأيام الأخيرة في سوريا وفي مدينة حمص ومحيطها على وجه التحديد. قد يكون من حق الروس والصينيين التعامل بحذر مع أي مشروع قرار يقدم إلى مجلس الأمن بشأن الأزمة السورية المستمرة منذ قرابة العام، لتلافي الوقوع في ذات المطب الذي حُبك لهم في ليبيا والذي سمح للولايات المتحدة وحلفائها في "الناتو" باستخدام ذريعة حماية المدنيين للتدخل العسكري المباشر في هذا البلد، الأمر الذي أفقدهم الكثير من المصالح الحيوية، وفي هذا المجال لا بد من الاقرار بأن سوريا تمثل أهمية كبرى من الناحية الاستراتيجية لروسيا لكونها الدولة الحليفة الوحيدة لها حاليا في منطقة الشرق الأوسط وسوقا هامة لأسلحتها المتطورة، لكن هذا لا ينبغي أن يلغي من اهتمامها مصلحة الشعب السوري ومطمحه في التغيير والحصول على حقوقه المسلوبة منه منذ عقود من الزمن كاملة غير منقوصة. هي معادلة صعبة بلا شك، لكنها ممكنة من الناحيتين النظرية والعملية، إذا توفرت إرادة فعلية من هاتين القوتين العظميين للقيام بدور فاعل في سبيل الدفع باتجاه الحل السلمي الوحيد القابل للتحقيق، ألا وهو ممارسة ما يكفي من الضغط على نظام بشار الأسد لوقف إهراق دماء شعبه والقيام بالإصلاحات المطلوبة التي تتيح لهذا الشعب تقرير مصيره واستعادة كرامته المهدورة. ... بدون ذلك، ستكون النتيجة خسارة بيكين وموسكو الشعب السوري إلى الأبد.