بقلم: د.خالد شوكات لا أحد يملك السير عكس تيار التاريخ، وما يبذله نظام بشار الأسد أو «الجملك» الأول (نسبة إلى الجملكية) من جهود دموية للبقاء على سدّته السلطوية، المشيدة أساسا على كثير من الجثث البريئة والدماء، ليس سوى هدرلمزيد من الطاقات والإمكانيات في الهواء، كان من الأكرم والأفضل والأقوم سبيلا توفيرها، لو كان هوأو أي واحد من بطانته «الجملكية» العتيدة يعرف قراءة التاريخ، ومن خارج هذه الدائرة كان الأكثر تفاؤلا عم الجملك المنفي، عندما توقع قبل أيام نهاية حزينة في غضون ثلاثة أشهر لابن أخيه. ربما سينزف الدم السوري مدة أطول مما توقع العم الجملكي، لكن الثابت في كل الأحوال أن النظام السوري لن يكون «أسديا» إلى الأبد، وأنه حتى لو قيّض للجملك أن يستمر لبعض الوقت، فإنه لن يتمكن من حكم السوريين على ذات الشاكلة التي حكموا بها طيلة العقود الأربعة الماضية، ضمن التاريخ العربي الاستثنائي، لكن خارج التاريخ الإنساني، وبالحديد والنار والغلبة والقهر والاحتقار، وبتسخير كل المعاني الجميلة تسخيرا بشعا دمويا قاتلا، حتى عادت مقاومة العدو تعني استسلاما، والجبهة الوطنية استهبالا، والقومية العربية استغفالا، والاشتراكية فسادا واستغلالا. لقد قرر الجملك بدل الإنصات إلى ما تبقى من حكمة، المضي قدما في طريق الدم، مراهنا على خلط الأوراق وحرق المراكب وتشبيك جميع عقد التاريخ والجغرافيا والسياسة في هذا البلد، ملوّحا برايات الطائفية حينا والعلمانية حينا والمقاومة حينا والأقليات حينا وعمالة المعارضة حينا وعدم نضج بديل الحكم أحيانا، لكن كل هذه المبررات والذرائع والأوهام لن تنفع، فالزمن ليس زمن حماة سنة1981 بل زمن البوعزيزي وسيدي بوزيد سنة 2011، وروسيا الحامية ليست الاتحاد السوفياتي قبل ثلاثين عاما، بل روسيا اليوم الفضائية التي سيصعب عليها احتقار المشاهد أو الضحك على ذقنه وعقله وما تراه الأعين وتنوح به الأفئدة والألسن. و ثمة من أنصار الجملك، عن حق أو باطل، من عاد لسرد القصص ذاتها، عن مؤامرات أمريكية وغربية وإسرائيلية وقطرية، وقد يكون لبعض هذه القصص أصل فعلا، لكنها تظل كما يرى العقلاء المخلصون مجرد قصص ثانوية لا ترقى إلى جوهر القضية، فعندما يكون الاستبداد تظهر في أفقه الملبد بالغيوم جميع الرذائل، من غزو خارجي وفساد أخلاقي وفقدان المجتمع لكل بوصلة معقولة، و لا يفيد المستبد لتشريع بقائه التلويح بخطورة هذه الرذائل، فما هو أخطر منها بقاؤه في ذاته. يجب أن يرحل الجملك، وسيرحل اليوم أو غدا أو بعده، ولن تذهب سوريا إلى المجهول كما يخوّفون، لأنها لو ذهبت ما استحقت البقاء، ولن يذهب السوريون إلى حرب أهلية أو طائفية، ولو ذهبوا لا قدر الله فإنهم سيصنعون من وراء حربهم وحدة وطنية أقوم وأسلم وأصح وأقدر على البقاء في هذا العالم الجديد الذي لا يقبل إلا من يستحق الاستمرار، ولن تستفيد إسرائيل من ذهاب الأسد كما لن تخسر مقاومتها في جنوب لبنان، فبقاء إسرائيل ليس معلقا على نظام في الجوار مناسب بل عفن في أصل المشروع نافذ، أما المقاومة فقد استمدت وجودها من عدالة القضية التي ترفع، فالثوريون لا يموتون كما قال الحكيم. لقد بدأ الربيع العربي من أقل دول المنطقة تعقيدا وسينتهي بتحقيق غاياته السامية في أشدها تشابكا، وبين تونسودمشق قصص عشق عتيدة، وقد جاءنا الدمشقي يوما عاشقا يحمل وردة وكتابا، ولا شك أن عدد عشاق دمشق من التونسيين يضاهي عدد أوراق الياسمين.. في بيوت الشام العتيقة وعلى أرض الخضراء من أفريقية.. ويا الله ارحل يا بشار..