بقيادة بوجلبان.. المصري البورسعيدي يتعادل مع الزمالك    قضية منتحل صفة مسؤول حكومي.. الاحتفاظ بمسؤول بمندوبية الفلاحة بالقصرين    مخاطر الاستخدام الخاطئ لسماعات الرأس والأذن    صفاقس تُكرّم إبنها الاعلامي المُتميّز إلياس الجراية    سوريا... وجهاء الطائفة الدرزية في السويداء يصدرون بيانا يرفضون فيه التقسيم أو الانفصال أو الانسلاخ    مدنين: انطلاق نشاط شركتين أهليتين في قطاع النسيج    في انتظار تقرير مصير بيتوني... الساحلي مديرا رياضيا ومستشارا فنيّا في الافريقي    عاجل/ "براكاج" لحافلة نقل مدرسي بهذه الولاية…ما القصة..؟    الاحتفاظ بمنتحل صفة مدير ديوان رئيس الحكومة في محاضر جديدة من أجل التحيل    الطبوبي في اليوم العالمي للشغالين : المفاوضات الاجتماعية حقّ ولا بدّ من الحوار    ملف الأسبوع.. تَجَنُّبوا الأسماءِ المَكروهةِ معانِيها .. اتّقوا الله في ذرّياتكم    خطبة الجمعة .. العمل عبادة في الإسلام    انهزم امام نيجيريا 0 1 : بداية متعثّرة لمنتخب الأواسط في ال«كان»    نبض الصحافة العربية والدولية... الطائفة الدرزية .. حصان طروادة الإسرائيلي لاحتلال سوريا    الوضع الثقافي بالحوض المنجمي يستحق الدعم السخي    أولا وأخيرا: أم القضايا    المسرحيون يودعون انور الشعافي    إدارة ترامب تبحث ترحيل مهاجرين إلى ليبيا ورواندا    المهدية: سجن شاب سكب البنزين على والدته وهدّد بحرقها    الجلسة العامة للبنك الوطني الفلاحي: القروض الفلاحية تمثل 2ر7 بالمائة من القروض الممنوحة للحرفاء    الكورتيزول: ماذا تعرف عن هرمون التوتر؟    انتخاب رئيس المجلس الوطني لهيئة الصيادلة رئيسا للاتحاد الافريقي للصيادلة    لماذا يصاب الشباب وغير المدخنين بسرطان الرئة؟    وزير الإقتصاد وكاتب الدولة البافاري للإقتصاد يستعرضان فرص تعزيز التعاون الثنائي    مصدر قضائي يكشف تفاصيل الإطاحة بمرتكب جريمة قتل الشاب عمر بمدينة أكودة    عاجل/ تفاصيل جديدة ومعطيات صادمة في قضية منتحل صفة مدير برئاسة الحكومة..هكذا تحيل على ضحاياه..    الطب الشرعي يكشف جريمة مروعة في مصر    تونس العاصمة وقفة لعدد من أنصار مسار 25 جويلية رفضا لأي تدخل أجنبي في تونس    ارتفاع طفيف في رقم معاملات الخطوط التونسية خلال الثلاثي الأول من 2025    بالأرقام/ ودائع حرفاء بنك تونس والامارات تسجل ارتفاعا ب33 بالمائة سنة 2024..(تقرير)    إقبال جماهيري كبير على معرض تونس الدولي للكتاب تزامنا مع عيد الشغل    وزير الصحة: لا يوجد نقص في الأدوية... بل هناك اضطراب في التوزيع    عاجل/ مجزرة جديدة للكيان الصهيوني في غزة..وهذه حصيلة الشهداء..    الطبوبي: انطلاق المفاوضات الاجتماعية في القطاع الخاص يوم 7 ماي    نحو توقيع اتفاقية شراكة بين تونس والصين في مجال الترجمة    يوم دراسي حول 'الموسيقى الاندلسية ... ذاكرة ثقافية وابداع' بمنتزه بئر بلحسن بأريانة    البطولة العربية لالعاب القوى للاكابر والكبريات : التونسية اسلام الكثيري تحرز برونزية مسابقة رمي الرمح    بطولة افريقيا للمصارعة بالمغرب: النخبة التونسية تختتم مسابقات صنفي الاصاغر والصغريات بحصيلة 15 ميدالية منها 3 ذهبيات    توقيع عدد من الإصدارات الشعرية الجديدة ضمن فعاليات معرض تونس الدولي للكتاب    عاجل/ المُقاومة اليمنية تستهدف مواقع إسرائيلية وحاملة طائرات أمريكية..    تونس العاصمة مسيرة للمطالبة بإطلاق سراح أحمد صواب    صادم: أسعار الأضاحي تلتهب..رئيس الغرفة الوطنية للقصابين يفجرها ويكشف..    التوقعات الجوية لهذا اليوم..طقس حار..    قيس سعيد: ''عدد من باعثي الشركات الأهلية يتمّ تعطيلهم عمدا''    محمد علي كمون ل"الشروق" : الجمهور على مع العرض الحدث في أواخر شهر جوان    توجيه تهمة 'إساءة استخدام السلطة' لرئيس كوريا الجنوبية السابق    منذ سنة 1950: شهر مارس 2025 يصنف ثاني شهر الأشد حرارة    كأس أمم إفريقيا لكرة القدم داخل القاعة للسيدات: المنتخب المغربي يحرز لقب النسخة الاولى بفوزه على نظيره التنزاني 3-2    وفاة أكبر معمرة في العالم عن عمر يناهز 116 عاما    منظمة الأغذية والزراعة تدعو دول شمال غرب إفريقيا إلى تعزيز المراقبة على الجراد الصحراوي    معز زغدان: أضاحي العيد متوفرة والأسعار ستكون مقبولة    زراعة الحبوب صابة قياسية منتظرة والفلاحون ينتظرون مزيدا من التشجيعات    مباراة برشلونة ضد الإنتر فى دورى أبطال أوروبا : التوقيت و القناة الناقلة    في تونس: بلاطو العظم ب 4 دينارات...شنوّا الحكاية؟    اتحاد الفلاحة: أضاحي العيد متوفرة ولن يتم اللجوء إلى التوريد    رابطة ابطال اوروبا : باريس سان جيرمان يتغلب على أرسنال بهدف دون رد في ذهاب نصف النهائي    سؤال إلى أصدقائي في هذا الفضاء : هل تعتقدون أني أحرث في البحر؟مصطفى عطيّة    أذكار المساء وفضائلها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الإسلاموفوبيا جزء من البؤس الفكري في أوروبا
بعد صدور الجزء الاخير من «ثلاثيته».. الدكتور هشام جعيط ل«الصباح»
نشر في الصباح يوم 16 - 02 - 2012

اكتملت أول أمس ثلاثية المفكر والباحث في التاريخ الاسلامي الدكتور هشام جعيط حول السيرة النبوية بصدورالجزء الثالث والاخير من مجموعته تحت عنوان «حياة محمد - سيرة النبي في المدينة وانتصار الاسلام «عن دار فيّار للنشر بفرنسا La vie de Muhammad le parcours du prophete à médine et le triomphe de lislam وليكون بذلك ثمرة نحو عقدين من البحث والاجتهاد والمقارنات والتحليل متسلحا بالمعارف الدقيقة والمصادر والمراجع الموثوقة بعد اخضاعها لمجهر النقد العلمي.
وكانت تلك الطريقة المعتمدة لتدوين الجزء الاول من السيرة النبوية حول الوحي والقرآن والنبوة سنة 1994 ومنه إلى الجزء الثاني «تاريخية الدعوة المحمدية في مكة» سنة 2006.
وفي انتظار صدور الترجمة الكاملة باللغة العربية للجزء الثالث والاخير من السيرة النبوية خلال نحو شهر من الآن عن دار الطليعة في بيروت، التقت «الصباح» الدكتور هشام جعيط في حوار انطلق من الغوص في أحداث الماضي بحثا عن فهم الكثير من أحداث الحاضر وربما لاستقراء المستقبل من خلال رحلة قادنا خلالها الباحث عبر مختلف محطات الكتاب وعبرنا فيها معه أكثرمن فصل من فصول السيرة النبوية من خلال تقديم لأبرز المحطات التي توقف عنها في هذا الجزء الثالث من السيرة النبوية فضلا عن الدوافع والأسباب التي جعلت صاحبه يغوص في أعماق الماضي لاستقراء المستقبل، على حد تعبيره، وهو الذي اعتبر أن الكتاب يبقى «مرجعا للمستقبل عندما يرتفع المستوى الذهني للعالم العربي ويصبح قادرا على فهم هذه الكتابات».
309 صفحات حملها هشام جعيط المؤرخ والباحث والمفكر حصيلة بحوثه عن السيرة النبوية في المدينة في كتاب لا يمكن ألا يحرك سواكن القارئ ويثير لديه أكثر من سؤال حول أكثر من حدث سيجد أهل الاختصاص والباحثون المجال واسعا ليقولوا كلمتهم فيها.
«دار فيار» للنشر اختارت غلافا للكتاب رسما مصغرا للوحة زيتية في متحف توب كابي بأسطنبول وترمز للرسول وهو يخطب أمام أفراد من قبيلة عبد المطلب... وفي ما يلي نص الحوار:

حوار: آسيا العتروس

** اليوم صدر الجزء الثالث من ثلاثية السيرة النبوية، فأين تتنزل كل هذه الاحداث التاريخية وهذا التداخل بين المفاهيم انطلاقا من السياسي الى الديني، وبين الأمة والاسلام، وأيّة علاقة لكل ذلك بالواقع اليوم، وكيف يمكن الاستفادة من الماضي؟
- قناعتي أن هذا العمل الذي قام به النبي محمد صلى الله عليه وسلم طوال عشرين سنة مازال الى حد كبير قائما وموجودا بعد مرور خمسة عشر قرنا. وبالنسبة للمؤرخ فان معرفة الحقيقة التاريخية في الحاضر يلعب دوره في تحديد الواقع الى حد ما. استحضرنا الماضي وما وقع من أحداث لأن مشكلة الاسلام مطروحة فعلا تماما كما كانت المسيحية مطروحة في أوروبا في القرن19، وهذا ما قام ويقوم به المؤرخ في تفسير هذه الامور. ففي أوروبا وتحديدا فرنسا التي أعرفها جيدا كتب ارنست رينان عن حياة المسيح Ernest Renan la vie de jesus (1823-1892) حياة المسيح في جو فيه اهتمام بالمسيحية ولكن فيه أيضا رجوع عن المسيحية وهذا ما توقفنا عنده وحاولنا تقديمه.
هناك اليوم أناس رجعوا بقوة الى الجذور الاسلامية أو ما اعتبروه هكذا، وهناك من هم متجهون الى الابتعاد عن ذلك.
هناك مشكلة في العالم العربي وأقول صراحة أن الكتاب يهم أكثرالذين ابتعدوا عن الاسلام من الذين بقوا في اتجاه الاسلام ويهم أيضا الذين لا يقبلون بتغيير النظرة ازاء ظهور الاسلام ويمكن أن يهم الذين يهتمون بتاريخ ظهور الاسلام أو بمعرفة تطور الامور بصفة مدروسة وعقلانية. وهذا الاهتمام بالتاريخ المقصود منه الاهتمام بارثنا وكذلك بالعلوم الاجتماعية الاخرى بمعنى فهم الامور بصفة دقيقة وتفهم الامور. وما نلاحظه أن هناك جهلا في العالم الاسلامي بمكونات الاسلام وذلك بالرغم من أن المسألة مهمة.
بعبارة أخرى الجمهور الذي أتوجه اليه عبر هذا الكتاب هو فئة المثقفين ونصف المثقفين في العالم العربي وعندما تنتهي ترجمة الكتاب الى العربية سيتجه الى جمهور أوسع وكل الذين في قلوبهم بقايا من الدين.
المشكلة التالية التي دفعتني الى هذا الكتاب أنه ليس هناك علماء ضالعون في تاريخ السيرة، والعلماء القدامى الذين كانوا ضالعين في كتب السيرة القديمة يعرفون العلوم الدينية التي فيها ذكر كبير لتأسيس الاسلام ولكن ليس هناك علماء ضالعون في هذا المجال كضلوع المستشرقين.
صحيح أننا شجبنا المستشرقين بدرجة كبيرة ولكن هذا لا ينفي أنهم قدموا الكثير من الابحاث بيد أن نظرتهم اليوم أقل جدية مما كانت عليه في القرن 19.
الاهتمام بالماضي اليوم سببه ما اراه أن العالم كله متجه الى ما هو آني وحاضر ولكني لم اكتب هذا الكتاب ليبقى للحاضر، أردته أن يكون مرجعا بأجزائه الثلاثة وأن يكون للمستقبل عندما يرتفع المستوى الذهني للعالم العربي ويصبح قادرا على فهم هذه الكتابات. اما الغربيون ففي اعتقادي أنهم لن يقرؤوه ولن يهتموا به، وشخصيا أعول على ترجمة الكتاب الى الانقليزية حتى يصل الى المسلمين في العالم وحتى الى غير المسلمين.
** بالنظر الى الاحداث التي نعيشها اليوم، كيف يفسر الدكتور امتداد ظاهرة الاسلاموفوبيا التي توشك اليوم أن تنتقل الى المجتمعات العربية والمسلمة نتيجة الكثير من الممارسات التي باتت ترهب الناس في حياتهم اليومية؟
- الخوف ليس من الاسلام، لا نخاف الاسلام أبدا ولكن الخوف من بعض الاحزاب الاسلامية التي في السلطة.. الخوف ليس من الاسلام بل من الاحزاب التي تجمع بين السياسة والدين وهي اليوم على رأس السلطة وبدأت تظهر جشعها. والواقع أنه كلما تكررت أخطاء تلك الاحزاب كلما أعاد الناخبون مراجعة أنفسهم وامتنعوا عن التصويت لها مستقبلا.
نعود الآن إلى موضوعنا الأساسي، فالاسلاموفوبيا مرتبطة أيضا بالخوف من المسلمين ومن القضايا المرتبطة بهم في العالم. كل الغرب يتظلم اليوم من القضايا المرتبطة بالبطالة وكلهم يتخاصمون حول مستقبل اليورو والمديونية وانتقال الصناعات الى الخارج وغير ذلك من القضايا العالقة، ولكن الغرب لا يدرك أن كل هذه القضايا لن تتحسن وأن الوضع سيتجه الى مزيد الانحدار وأنه ليس هناك مجال للتغيير سواء تغير الرؤساء أم لم يتغيروا.
وتواجد المهاجرين في المجتمعات الغربية مصدر لمشاعر العداء ضد المهاجرين الذين يحملونهم في كثير من الاحيان مسؤولية المشاكل اليومية والمالية والاقتصادية، وفي اعتقادي ليس هناك امكانية للاصلاح في أوروبا سواء تعلق الامر باليونان أو البرتغال أو اسبانيا ولكن أعتبر أن ألمانيا استثناء لأن الاقتصاد الالماني مبني على انضباط الشعب الالماني الذي يذعن للقرارات منذ القديم، والامر نفسه ربما ينطبق على أمريكا التي تبقى أقوى بكثير من أوروبا. الى جانب هذه الدول هناك القوى الصاعدة في آسيا وفي قناعتي أن المشاكل الأوروبية مع الاسلاموفوبيا مرتبطة بهذه القضايا، والاسلاموفوبيا جزء من البؤس اليومي عند الاوروبيين .
** صدر بالأمس في فرنسا كتاب: «حياة محمد وسيرة النبي في المدينة وانتصار الاسلام»، فماذا يعني لكم هذا الكتاب، وماذا في طياته؟
- هذا الجزء هو الاصعب بين الاجزاء الثلاثة وقد وضعته بعد متابعة كل الخيوط وراجعت كل ما قيل حول الفترة المدنية. الجزء الأول من السيرة النبوية فيه الكثير من الفلسفة، والجزء الثاني كبير. هذا الكتاب جمع المهم في الفترة المدنية وهو دراسة انتروبولوجية للحياة وللعلاقات الاجتماعية وقد وضعت هذا الجزء بعد أن تابعت كل الخيوط، وراجعت كل ما قيل عن الفترة المدنية، والذين كتبوا عن السيرة النبوية من المستشرقين والمسلمين سواء كانت كتبا للاطراء او كتبا ايديولوجية. ما وضعته اليوم كتاب تاريخي علمي بعيد عن الفلسفة. وللتوضيح فإن التاريخ ليس مجرد سرد للاحداث بل تفسير لها واعطاؤها مفهوما، بمعنى كيف نفهم ذلك من الرسول في المدينة وكيف نفهم انتصار الاسلام. وأعتقد أني قدمت حلولا للمشاكل المطروحة وهذه المشاكل لم يحسن تقييمها وفكها المؤرخون السابقون والمستشرقون ولو أنهم قاموا بمجهود لا يمكن انكاره.
هناك كتاب مهم للكاتب العراقي الراحل صالح أحمد العلي تحت عنوان «دولة الرسول» في جزءين. هذا المؤرخ انطلق من فكرة أن الرسول بمجيئه الى المدينة كون دولة ووضع مؤسسات، وفي رأيي هذه فكرة مغلوطة تماما فليس هناك دولة، والحقيقة أن الرسول كون في آخر حياته نواة دولة خلال تواجده في المدينة والخليفة أبو بكر وعمر كونا الدولة اعتمادا على ما قام به الرسول من أعمال في حياته.
لقد تحدث المستشرقون وغيرهم عن الكثير من الامور ومن بينها لماذا أسلم أهل المدينة؟ وقد طرحت هذه المشكلة وأعتبر أني قدمت الحل بشكل معقول. هناك أسباب واضحة ولكنها قد لا تبدو كذلك للوهلة الاولى.
وأقول أولا، لقد أخطأ المستشرقون القدامى في ما يتعلق بمسألة الامة الاسلامية ولم يفهموها. فقد اعتبروا أن الامة التي كونها الرسول أمة المؤمنين يدخل ضمنها اليهود، والواقع أن اليهود لا يدخلون ضمنها، فمفهوم الأمة ديني بحت والمؤمنون - أي المسلمون - يكونون أمة، واليهود يكونون أمة.
ثانيا، لقد أراد الرسول التحالف مع اليهود لأنه كان يرى أنهم أجدر الناس بالدخول في الاسلام. وقد أوضحت هذا بصفة برهانية اعتمادا على المصادر.
النقطة الثالثة والتي طرحها غيري انما ليست بنفس الوضوح والدقة، هي أن النبي اعتبر في الاول أن اليهود يمكن أن يدخلوا في الاسلام باعتبار أن الاسلام جاء متمما لدينهم وأن الدين الاسلامي يصدق ما جاء به موسى وغيره من الانبياء. وهذا لم يحصل وتبين أن اليهود، وأقصد يهود المدينة وهم يكونون كتلة ولهم تأثير على العرب وغير ذلك، و بصفة خاصة على قسم من الأوس، تبين أنهم يرفضون الاسلام ولا يعتبرون محمدا نبيا، وفي المقابل اعتبر البعض منهم أنه نبي الأميين، أي العرب الذين كانوا مشركين (من غير أهل الكتاب).
وبالتالي وقعت قطيعة بين النبي وهؤلاء اليهود ويئس محمد (ص) من إسلامهم وأخذ القرآن في الرد عليهم وشجبهم في سور مدنية متعددة وبالخصوص سورتي البقرة وآل عمران، ولكن كان النبي يخشى من تأثير اليهود السيّء على المؤمنين وقد كان هدفه أن تكون المدينة معقلا للاسلام وأن تكون متجانسة فاليهود يمثلون عنصر نشاز وعنصرا خطيرا على وحدة المجموعة التي كونها.
وقد قام الرسول بعملية ذات أهمية كبرى وهو جعل الاسلام دينا منفردا عن الديانات السماوية الاخرى ومنها اليهودية بالاساس والمسيحية بالرغم من أنه بقي يعترف بأنهم من أهل الكتاب وليسوا من الوثنيين، وهو بذلك نصب نفسه فعلا كنبي متجه للعرب وليس كنبي متجه إلى كل أهل الكتاب واعتبر أن القرآن آخر ما نزّل الله وأن ما سبقه من ديانات سماوية وقع تجاوزها. واعتبر محمد نفسه في المدينة نبيا عالميا متجها لكل الموحدين لله وصار همه الاتجاه أساسا إلى الوثنيين العرب بعد أن يئس من اليهود، واعتبر نفسه نبي العرب وهذا موجود في القرآن المكي: «إنا أنزلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون»، ولم يكن بلسان أعجمي.
بقاء الرسول في مكة طيلة عقد كامل كان يأمل منه أن تسلم مكة ويسلم العرب من حوله ولكنه لم يحقق ذلك. وبما أن هناك عربا آخرين وهم عرب المدينة الذين كانوا وثنيين وصاروا مسلمين، اتجه في مشروعه للعرب.
نظريا إذن يمكن أن نتساءل، كيف ذلك؟ والرد أنه بسنه لفكرة الابراهيمية لأن الاسلام هو دين ابراهيم عليه السلام، أي الدين التوحيدي الاصلي من قبل اليهود والنصارى. رجع النبي اذن الى الجذور التوحيدية وأهم دليل على توجهه الى العرب اعتباره أن ابراهيم واسماعيل أجداد العرب وهذا صحيح تاريخيا والاسلام دين ابراهيم ومفهوم الاسلام مأخوذ عن ابراهيم أبو العرب وأبو الانبياء وأول موحد.
وهذه في الواقع فكرة عظيمة وازدادت عظمة واقناعا بأنه جعل من الكعبة بيت الله الذي ابتناه ابراهيم واسماعيل، اذ لا علاقة للكعبة بالوثنية بحيث أن الكعبة التي كانت أساس الوثنية القرشية في مكة صارت اسلامية في القرآن في دعوة الرسول. وهو ما يعتبر تغييرا جذريا ولم يبق بالتالي أمامه الا الصراع لكي يدخل العرب الوثنيون الآخرون في مكة والحجاز بالأساس في هذا الدين وأن يدخلوا في الامة ومن هنا نفهم الدخول في الصراع العسكري مع قريش.
ومن هذا المنطلق وصفت في الكتاب كيف دارت هذه الصراعات والمعارك من بدر وأُحد والخندق وحللتها كما حللت إجلاء اليهود بعد بدر وبعد أُحد، وقمع بني قريضة، بعد معركة الخندق، الذين ظاهروا قريش، ومنه دخول بعد سنة 5 الهجرية المدينة قبائل يهودية كبرى ولم تبق منها غير فئات محدودة أخرى أواخر السنة الخامسة للهجرة، وبعد أن قام بمقاومة ناجحة للأحزاب كما يذكر القرآن، ولقريش ومن معها من البدو الذين حاصروا المدينة، عندئذ تغيرت الامور وصار يأخذ المبادرة.. بعد أن كان النبي محاصرا في الداخل والخارج تخلص من اليهود ومن عداوة قريش وصارت المدينة منسجمة وحتى من كان من العرب الوثنيين موجود قد أسلموا، ومن هنا قام النبي بأعمال ديبلوماسية ودينية وحربية ناجحة.
** أليس مصطلح الديبلوماسية مصطلحا مستحدثا بالقياس الى تلك الفترة؟
- ما حدث في اتفاق الحديبية والذي حصل خلال السنوات الثلاث التالية يؤكد هذه الصفة الديبلوماسية حتى وإن كان المصطلح يمكن اعتباره حديثا. وقد استطاع النبي تكوين قوة مالية وقوة عسكرية باستجلاب القبائل الموالية للمدينة من البدو وكون بذلك أهل المدينة. وفي السنة الثامنة للهجرة عندما دخل مكة دخل معه كل أهل المدينة ولكن التفاف أهل المدينة حوله كان بطيئا وبتدرج. وعندما توفي الرسول كان مسيطرا على الحجاز كله وعلى الجانب الغربي من الجزيرة العربية.
وفي آخر حياته قامت عدة جهات من الجزيرة العربية، وكانت عالما آخر في حد ذاتها، برفض الاسلام وبالرغبة في تكوين دويلات كما في اليمن واليمامة ولم يكن صحيحا ما قالته مصادر عند وفاة الرسول بأن كل الجزيرة العربية دخلت في الاسلام بل ان ما يمكن تأكيده أنه خلق مؤسسات وفرض مفهوم الجهاد وترك جيشا مستعدا للاستنفار. وفي الحقيقة أن الذي قام بتوجيه الجزيرة العربية تحت لواء الاسلام خليفته أبو بكر، والفكرة الاساسية أن الكثير من الدراسات القديمة الاوروبية والاسلامية أرادت أن تجعل النبي رجل حرب يريد السلطة، وفي الواقع أنه استعمل علاقات القوة وعرف كيف يتجاوب ويتفاعل مع نفسية شعبه في الحروب، والشعب العربي كان شعبا حربيا وبالتالي فإن هدفه الاساسي كان الدين وليس السلطة.. بالطبع هذا تلخيص لاحداث الكتاب.
** دكتور هشام جعيط مدعو لادارة بيت الحكمة، كيف تستعدون لمواجهة هذا التحدي الذي سيدفع بالمفكر هشام جعيط للخروج من برجه العاجي والنزول الى الواقع؟
- قبلت التحدي وأنا في هذه السن رغم أن ذلك سيعيقني عن الكتابة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.