فتحت في تونس ما بعد 14 جانفي الكثير من ملفات الفساد في جل القطاعات فكان الحسم في البعض منها فيما ما لا يزال البعض الآخر في انتظار الحسم النهائي. في المقابل لم يشمل هذا المسح او الغسيل عدة ميادين على غرار القطاع البنكي الذي اختلفت بشأنه المواقف حول فتح ملفات الفساد من عدمه. ولمزيد إلقاء الضوء على هذا الموضوع اتصلت "الأسبوعي" بعدة أطراف فكانت آراؤهم متباينة. وأكدت وزارة المالية ان الإشراف التقني على القطاع البنكي يبقى من مشولات البنك المركزي فيما تتولى الوزارة الناحية التشريعية عبر سنّ القوانين المنظمة للقطاع. أمام القضاء أكد محافظ البنك المركزي مصطفى كمال النابلي في احد لقاءاته الصحفية ردا على اتهام بعض المسؤولين في البنك بالفساد، أنه «لا يمكن كيل الاتهامات بالتورط في الفساد لأي طرف كان دون أن يتمّ تقديم أدلة أو براهين وإثباتات على ذلك.» ودعا «كل من يمتلك أدلة» على تورط أي مسؤول بالبنك إلى أن «يوافيه بها» متعهدا «باتخاذ الإجراءات اللازمة».وأكد البنك المركزي على تعاونه مع لجنة تقصي الحقائق حول الفساد والرشوة مشدّدا على أن البنك بادر بإحالة كل ملفات الفساد التي بلغته أو التي تم مدّه بها من جهات أخرى على العدالة، وذلك قبل أن تطلبه لجنة تقصي الحقائق. وشدّد المحافظ على مواصلة العمل على إدخال ودعم الإصلاحات العميقة داخل البنك المركزي والتي لا تزال ضرورية رغم كل الإصلاحات والمشاكل التي وقعت معالجتها طيلة السنة الماضية. مواصلة التنسيق وأكد مصدر بالبنك المركزي أن التنسيق سيتواصل مع القضاء و لجنة تقصي الحقائق حول الفساد والرشوة . كما أن العمليات التفقدية للهيئات المختصة التابعة للبنك تقوم بدورها بشكل مسترسل منذ فترة طويلة ، وشدد على أن النتائج التي توصلت إليها بخصوص وجود ملفات فساد ستبقى شأنا داخليا لا يمكن الإعلان عنه إلا انه ستقع متابعة الموضوع ومحاسبة المورطين. الأكثر معاناة يقول الاستاذ معز الجودي مختص في الاقتصاد :» تعد البنوك من القطاعات التي عانت كثيرا من الفساد ابان حكم المخلوع حيث ذهب 5 مليار دينار ادراج الرياح في شكل قروض لأشخاص نافذين ولهم صلة ببن علي وأصهاره . كما أن الطرف الأكثر معاناة في السابق هي البنوك العمومية حيث استشرى الفساد بقوة واتضح استغلال الطبقة الحاكمة وقتها لموارد الشعب.» ويتابع محدثنا :»تحدث محافظ البنك المركزي عن ضرورة لعب البنك دور المراقبة وهو كلام معقول بعد ان كانت هذه المؤسسة المالية فاقدة للحيادية لتسيسها من طرف السلطة ، لكن لا يزال بعض الأشخاص الذين حافظوا على مواقعهم في القطاع وعلى رغم ورطهم في الفساد ، بل انهم لم يتخلوا عن الدور الذي لعبوه زمن بن علي . عموما رغم التغيير الحاصل في سياسة البنك المركزي التي تحدث عنها النابلي فان هؤلاء الاشخاص لم يسايروا هذا التغيير بل حافظوا على ما كانوا عليه.» متورطون ويشدد الدكتور معز الجودي على اتساع حلقة المتورطين في الفساد المالي الذي لم يقتصر على العاملين في البنوك بل شمل رجال أعمال ومديري مؤسسات اقتصادية وتجارية وغيرهم من الأفراد المتواجدين في الكثير من القطاعات. ويقول في هذا الصدد :»لقد أنجز محافظ البنك المركزي نصف العمل المنوط بعهدته في هذه المؤسسة المالية بتحييده عن السياسية وإبعاده عن السلطة القائمة وجعله وكما أسلفنا مراقبا للشأن المالي في تونس ، لكنه لم يقم بالتغيير اللازم بخصوص الأفراد المتورطين في الفساد والذين لا يزالون باسطين سيطرتهم على بعض شرايين القطاع. واعتقد أن في فتح ملفاتهم ستكون خواتمهم لتورطهم.» ويؤكد محدثنا أن التطور الحاصل في عمل البنك المركزي يقابله أناس يرفضون السير على نفس النهج والتغيير في حد ذاته . دار لقمان على حالها ويوضح الأستاذ معز سبب تأخير حكومتي قائد السبسي والجبالي في فتح ملفات الفساد في القطاع البنكي قائلا:»اعتقد أن لخوف هذين الحكومتين من هذا الملف ما يبرره لأن في فتحهما و بالنظر للأشخاص المتورطين وعددهم ناهيك عن الوضعية الاقتصادية الصعبة التي تعيش على وقعها بلادنا الآن من المورطين من أصحاب المال و الأعمال ولهم من يساعدهم للتصدي والحيلولة دون فتح أي ملف يمكنه أن يصبح قنبلة موقوتة تفجر الوضع بأكمله.» ويضيف:»في المقابل لا بد من التحرك دون خوف لمساءلة المورطين ومحاسبتهم ولما لا السير على نفس تمشي المغرب او جنوب افريقيا في مسالة المحاسبة عبر مطالبة من قام بتحويل أموال لصالحه بطرق غير قانونية بإعادتها دون تتبّعات عدلية أو ما شابه ذلك من الإجراءات لأن ما يجري حاليا في تونس يثير القلق و يؤزم الوضع الاقتصادي أكثر حيث يسعى أشخاص مورطون في الفساد المالي إلى تحويل أموالهم الى الخارج وقد علمت بمجمعات اقتصادية بصدد القيام بذلك ومنها من حول إلى الآن ما يقارب 500 مليون يورو .» إن القطاع البنكي ولما له من أهمية في النسيج الاقتصادي لبلدنا لا يزال يحتاج إلى الكثير من الإجراءات والتحركات الفورية لحل ملفات الفساد ولتقويم ما يجب تقويمه لان أهم ما نادت به الثورة هو محاسبة المفسدين وتتبعهم قانونيا .