في فلسطين، المؤشرات على تصاعد الغليان الفلسطيني كثيرة، فالمرجل الفلسطيني يعمل على مدار الساعة، والانتفاضة تدق على الأبواب، ولا ينقصها سوى الشرارة، وما الهدوء البادي للناظر سوى وهم، فالبركان تحت الرماد، وعوامل التفجير القديمة ما تزال قائمة تعتمل في المرجل الفلسطيني، يضاف إليها جملة أخرى من صواعق التفجير. الإسرائيليون باتوا يتحدثون عن العنوان المكتوب على الجدار، وبدؤوا يستعدون للمواجهات. هم يتحدثون عن انتفاضة فلسطينية ثالثة في الأفق متأثرة بالثورات العربية المتلاحقة من قطر إلى آخر. فهاهو احدث تقرير إسرائيلي يتضمن تقديرات إستخبارية سنوية، أعد من قبل وزارة الخارجية الإسرائيلية وعرض على الوزراء في المجلس الوزاري السياسي الأمني قبل عدة أسابيع، يتحدث عن أن سيناريو اندلاع انتفاضة ثالثة قائم في العام الحالي 2012، سواء كان كقرار من القيادة الفلسطينية أو في إطار تفجر شعبي متأثر بالثورات في العام العربي. ورئيس أركان الجيش الإسرائيلي غابي أشكنازي يعلنأن الجيش يستعد لاحتمال اندلاع انتفاضة فلسطينية ثالثة وعمليات تفجيرية. و الكاتب الإسرائيلى المتخصص فى الشؤون العربية بصحيفة هآرتس تسفى بارئيل يتنبأ بوقوع انتفاضة ثالثة فى أى وقت، ويقول:إن الانتفاضة الثالثة قادمة لا محالة بسبب الضغوط الاجتماعية والاقتصادية الناجمة عن القيود التى تفرضها إسرائيل»، والكاتبان جدعون مارون وعوديد شلوم يوثقان في يديعوت ب»الانتفاضة الثالثة هنا على كل لسان، ويؤمن الناس بأنها آتية وفي القريب» وتحت عنوان»العنوان مكتوب على الجدار»كتب مناحيم كلاين، المحاضر في العلوم السياسية في جامعة بار إيلان في هآرتس» أنه في ظل الثورات في العالم العربي وانسداد الأفق أمام الفلسطينيين، وإدراكهم أن الخلاص لن يكون عن طريق الولاياتالمتحدة فإن مسألة اندلاع انتفاضة لا ينقصها إلا شرارة لإشعالها»، مضيفا:»أنه إذا نال جنوب السودان وتيمور الشرقية استقلالهما قبل الفلسطينيين، فإن ذلك يعني أن خطبا ما قد حصل، فمن غير الممكن المقارنة بين مكانة هذه المناطق، وبين المكانة الدينية والدولية لفلسطين». وحسب التقديرات / المعطيات العسكرية / الأمنية الإسرائيلية الاحتلالية ف»إن انتفاضة الحجارة الفلسطينية قد تعود مرة أخرى « وأشارت تلك التقديرات إلى تصاعد العمليات الفلسطينية خلال المسيرات والمظاهرات ورشق الحجارة وإلقاء الزجاجات الحارقة»، مضيفة»أن هذه الظاهرة ستتصاعد في الشهور القادمةصحيفة هآرتس». أما فلسطينيا، فيتحدث أكاديميون ومحللون فلسطينيون عن مؤشرات إلى قرب اندلاع انتفاضة فلسطينية جديدة، لكنها في رأيهم انتفاضة ستكون مختلفة عن سابقتيها كونها «انتفاضة مدنية معولمة»، فقال جورج جقمان رئيس مؤسسة مواطن لدراسة الديموقراطية خلال مؤتمر في رام الله بالضفة الغربية حول إمكانية اندلاع انتفاضة جديدة شارك فيه عشرات الأكاديميين والحقوقيين»أن هناك مؤشرات إلى انتفاضة فلسطينية ثالثة تختلف عن الانتفاضتين السابقتين» في 1987 و2000/»، مضيفا:»أن «المؤشرات المحلية والإقليمية والدولية تشير إلى انتفاضة يمكن وصفها بأنها -انتفاضة مدنية معولمة-»، وأعطى جقمان أمثلة على مؤشرات هذه الانتفاضة أبرزها «المظاهرات الشعبية والدولية التي تجري جنب الجدار (الفاصل الذي تبنيه إسرائيل في أراضي الضفة الغربية)، حروب الانترنت في ما يخص الصراع، متابعات قضايا دولية ضد اسرائيل، ومنها تقرير غولدستون». ومسؤول ملف القدس في حركة فتح حاتم عبد القادر يرى:»ملامح انتفاضة ثالثة قد تكون الأعنف في تاريخ الصراع» ، ويقرأ الأحداث الأخيرة في القدس قائلا:»هناك حملة إسرائيلية مستمرة ضد المقدسيين يقودها المستوطنون بدعم من الشرطة وحرس الحدود الإسرائيليين، فإسرائيل تسعى إلى خلق بيئة طاردة للمقدسيين، فهناك هدم للمنازل وأوامر إخلاء ومشاريع لتهويد المدينة»، مضيفا:»الفلسطينيون لم يعدموا خياراتهم، ومن ظن أن الفلسطينيين استسلموا فهو مخطئ، هذا شعب يقاتل ويناضل منذ مئة عام، وقد قدم آلاف الشهداء والمعتقلين، الوقت الراهن قد لا يكون مواتياً لانتفاضة ثالثة في ظل الانقسام الفلسطيني، ولكن أرجو أن يكون هذا الانقسام سحابة صيف، ورغم ذلك، اعتقد أن الشعب الفلسطيني سيفجر انتفاضة جديدة، لأن لا خيار أمامه سوى أن يبعث برسالة لإسرائيل ليؤكد أن لديه خيارات أخرى غير المفاوضات، ومن بينها انتفاضة ثالثة قد تكون الأعنف في تاريخ الصراع». وفي هذه الخيارات الأخرى والمضامين الإبداعية الفلسطينية كان الشاعر الفلسطيني الكبير-الراحل- محمود درويش تحدث عن طبيعة الصراع بين الروايتين العربية والصهيونية: «كلما خيل لنا أن صورة فلسطين انتقلت من مكانتها المقدسة .. إلى سياق العادي فاجأتنا بقدرتها الفذة على إيقاظ معناها الخالد، ببعديه الروحي والزمني، من نعاس تاريخي عابر ..»، موثقا:»ليست فلسطين جغرافيا فحسب، بقدر ما هي أيضاً تراجيديا وبطولة، ولا هي فلسطينية فقط، بقدر ما هي إخصاب لفكرة العربي عن نفسه، ومعنى إضافي لمعنى وجوده في صراعه مع خارجه ومع داخله، ليكون جزءاً من تاريخه الخاص ومن التاريخ العام «. والمؤشرات المتراكمة يوميا تشي بان هذا النعاس العابر يمضي لتعود فلسطين إلى طبيعتها وليعود الصراع إلى بداياته...! * خبير فلسطيني في الصراع العربي الإسرائيلي