- "التجسس هو ثاني أقدم مهنة في التاريخ" مقولة صادقة إلى أبعد حد وإن لم يُعرف قائلها تنطبق على الحرب الشرسة، التي يخوضها جهاز المخابرات الخارجية الإسرائيلي أو"معهد الاستخبارات والمهام الخاصة"، الذي يعرف اختزالا باسم الموساد (كلمة موساد تعني معهد بالعربية)، بالتعاون مع مختلف بقية الأجهزة الإستخباراتية، الإسرائيلية منها والأجنبية، كجهاز المخابرات العسكرية العامة «أمان» و «وحدة دفدفان» والمخابرات السياسية «شاباك» «أو شين بات» وأجهزة مخابرات سلاح الجو (AFI) وسلاح البحرية (NI) وجيش البر (Glilot). تهدف هذه الأجهزة مجتمعة إلى قطع الطريق على طهران حتى لا تمتلك التكنولوجيا النووية سواء بالتخريب أو القتل أو بالدعاية المضادة أو بشن حربٍ خاطفة إن استدعى الأمر. قبل أربعة أسابيع زار رئيس الموساد تامير باردوواشنطن، والتقى بنظرائه الأمريكيين من وكالة الإستخبارات المركزية (CIA) ومكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI) ووكالة الأمن القومي (NSA) ووكالة المخابرات العسكرية (DIA) لبحث الملف النووي الإيراني وضرورة الحسم تجاهه بكل السبل الممكنة بما فيها توجيه ضربة عسكرية في أقرب الآجال قبل فوات الأوان. من التعاون الوثيق إلى العداء المعلن يعود نشاط الموساد داخل إيران إلى الأيام الأولى لتأسيس جهاز سافاك سنة 1957 أيام حكم شاه إيران رضا بهلوي. حيث أشرفت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية بالتعاون مع الموساد على تأسيس وتدريب عناصر «منظمة الأمن القومي والإستعلامات» أو سافاك، جهاز مخابرات الشاه أيامها. لكن الأمور تغيرت جذريا بعد نجاح ثورة الشعب الإيراني سنة 1979 التي وصل على إثرها الملالي (رجال الدين) بقيادة الإمام الخميني إلى السلطة ولا زالوا يحكمون إلى الآن. قام الإيرانيون بغلق السفارة الإسرائيلية في طهران وطرد طاقمها وأعلنوا مقاطعتهم وعداءهم للدولة العبرية. ظل البَلدانِ، في حالة عداء معلن دائم وفي حرب مخابراتية تتراوح بين القتل والتخريب والتعاون أيضا حيث قام الإسرائيليون والأمريكيون وتجار سلاح عرب من بينهم السعودي عدنان الخاشقجي بمد إيران بالأسلحة والمعدات إبان حربها ضد العراق فيما عرف بفضيحة «إيران كونترا» التي انكشفت معالمها سنة 1986. يستنتج المراقب لما يجري من أحداث في منطقة الشرق الأوسط أن الإسرائيليين لم يحافظوا فقط على مصادر معلوماتهم داخل إيران بل طوروها إلى حد أكسبهم القدرة أن يصبحوا تهديدا وجوديا ليس للبرنامج النووي الإيراني فحسب بل للسلطة السياسية الحاكمة في طهران اليوم. فقد تمكن الإسرائيليون من تجنيد الجنرال علي رضا عسكري الذي «تعاون» مع إسرائيل منذ 2003، وفر من إيران في 7 فيفري 2007 بعد أن انكشف أمره من قبل المخابرات الإيرانية. وفي جوان 2009 تعرضت أنظمة الكمبيوتر الإيرانية إلى هجوم الكتروني كاد أن يصيبها بالشلل التام بفعل فيروس (Stuxnet) المتطور جدا الذي يعتقد المراقبون أن الهدف من ورائه هو إعاقة طهران إحراز أي تقدم فيما يتعلق ببرنامجها النووي. عمليات العَلم المزيف يعني مصطلح «العلم المزيف» (False Flag)، أو «العلم الأسود» مجموعة الأنشطة والتكتيكات التي يقوم بها جهاز مخابرات ما منتحلا صفة وهوية دولة أخرى أو تنظيم آخر. وتستخدم عمليات العلم المزيف بكثرة لمكافحة التجسس الخارجي ومكافحة حركات التمرد. حفلت التقارير الإعلامية والاستخباراتية الأمريكية في المدة الأخيرة بتغطية عمليات علم مزيف ينفذها عناصر الموساد منذ سنوات حيث قاموا بتجنيد عملاء لهم من منظمة «جند الله» التي أدرجتها الخارجية الأمريكية في قائمة المنظمات الإرهابية. وبالتالي، يمنع على أي جهة أمريكية رسمية، أو غير رسمية، التعامل معها. ومنظمة «جند الله»، أو»حركة المقاومة الشعبية الإيرانية» هي منظمة مكونة من الإيرانيين السنة من منطقة بلوشستان الواقعة على الحدود الشرقية الجنوبية بين إيران وباكستان. كما قام الإسرائيليون بتجنيد عملاء لهم من «حزب الحياة الحرة في كردستان» الذي ينشط في الحدود الشماليةالغربية بين العراق وإيران. وقام الإسرائيليون أيضا بفتح قنوات اتصال مع كل الحركات الإيرانية المعارضة من البلوش والأهواز ومجاهدي خلق عبر عمليات «العلم المزيف»، أي أن يدعي الإسرائيليون أنهم أمريكيون وجرى كل ذلك على مرأى ومسمع من وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، وفق ما جاء في دورية «فورن بوليسي» الأمريكية. إسرائيليا، أثمرت عمليات «العلم المزيف» عن الكثير من الإغتيالات التي استهدفت بدرجة أولى أهم عنصر ألا وهو العنصر البشري متمثلا في العلماء الإيرانيين المشاركين في البرنامج النووي الإيراني، بالإضافة إلى الكثير من الأعمال التخريبية الأخرى كتفجير مقرات الحرس الثوري والمنشآت العسكرية. بعد ظهر 15 جانفي 2007، سقط فجأة الأستاذ الجامعي وعالم الكهرباء الذرية أردشير حسن بور (50 سنة) وتوفي فورا في مكان عمله في مختبر الأبحاث العسكرية بأصفهان. تكتمت وسائل الإعلام الإيرانية على الخبر وأوعزته إلى أسباب غامضة وبعد ستة أيام من وقوع الوفاة اتضح أنها حدثت بفعل تسميم قاتل. وقبل الثامنة صباحا بقليل من يوم 12 جانفي 2010، تعرض الفيزيائي مسعود محمد علي لوابل من الرصاص حين كان يهم بمغادرة بيته وسط العاصمة طهران. تمكنت المخابرات الإيرانية من إلقاء القبض على القاتل مجيد جمال فاشي الذي قالت إنه اعترف بارتباطاته بجهاز الموساد. وفي صباح 29 نوفمبر 2010، قتل في طهران مهندس الطاقة الذرية مجيد شهرياري على إثر تعرضه لهجوم بقنابل يدوية نفذه مجهولون يستقلون دراجات نارية. كما تعرض في نفس اليوم العالم النووي فريدون عباسي لهجوم مماثل بالقنابل حين كان يسوق سيارته في أحد شوارع طهران رفقة زوجته، إلا أنهما نجيا من محاولة الإغتيال. وفي مساء 23 جويلية 2011، قتل العالم النووي دريوش رضائي نجاد بعد أن أطلق عليه مجهولون وابلا من الرصاص لما كان هو وزوجته ينتظران خروج إبنهما من دار الحضانة في أحد ضواحي طهران. وفي أوت 2007، أقدم مقاتلو تنظيم «جند الله» على اختطاف 21 سائقا يعملون في قطاع إنشاءات متصل بالبرنامج النووي الإيراني. وفي ديسمبر قام عناصر «جند الله» باختطاف وإعدام 16 عنصرا من حرس الحدود الإيراني وصوروا عملية الإعدام. وفي ماي 2009، فجر إنتحاري نفسه داخل مسجد في زاهدان، عاصمة مقاطعة سيستان- بلوشستان المحاذية لباكستان. وفي جويلية 2010 قام انتحاريان تابعان ل»جند الله» بتفجير نفسيهما في منطقة عسكرية خارج زاهدان قتل على إثرها عدد من عناصر الحرس الثوري الإيراني. وتحت إلحاح وطلبات متكررة من جهاز المخابراتية الإيرانية «اطلاعات»، ألقى عناصر المخابرات الباكستانية (ISI)، القبض على عبدالملك ريغي، زعيم تنظيم «جند الله» وسلموه إلى السلطات الإيرانية في فيفري 2010، التي نفذت فيه حكم الإعدام في 20 جوان من نفس السنة. من جهتها، دأبت السلطات الإيرانية على توجيه أصابع الإتهام، كل مرة، إلى تل أبيب وواشنطن معلنة أنهما يقفان وراء هذه العمليات لإجبار طهران على التخلي عن برنامجها النووي. البقية في عدد الغد