«نحن نعلّم أصول الحوار والمواطنة في المدارس لكن الشارع والإعلام ينسفان كل شيء» «الاختلاف رحمة وليس نقمة».. وجميل أن يوجد في البلد بعد الثورة يمين وميّالون لتيار اليمين ويسار ومتأثرون بتيار اليسار ووسط ومعتدلون ومستقلون أو متفرّجون فوق الربوة صامتون... لكن الأجمل منه أن يدور بين جميع هؤلاء الناس حوار حقيقي يستجيب لشروط الحوار وآدابه.. لأنه بالحوار وحده يمكن الوصول إلى وفاق، وإلى إيجاد أرضية مشتركة يتعايش فيها الجميع دون استثناء في كنف الاحترام، بعيدا عن التخوين والتكفير والتشويه والإقصاء وغيرها من الانحرافات الخطيرة التي نلاحظها اليوم في الفضاءات الاجتماعية. ولئن كانت مفاهيم الحوار وروابط العيش المشترك والمواطنة أليفة لدى السواد الأعظم من التونسيين لأنهم تعلموها في المؤسسات التربوية ودرسوها في مواد التربية المدنية والاجتماعية منذ نعومة الأظافر، فإن تجسيمها على أرض الواقع بالشكل المطلوب يحتاج وفق الأخصائي التربوي عبد الله عطية دفعا قويا من المجتمع المدني ومن وسائل الإعلام.. وشدد على أن المجتمع التونسي متجانس ولا يحتمل الهزات، وهو ما يؤكده الأستاذ الطاهر يحي رئيس جمعية الدفاع عن روابط العيش المشترك .. وتذهب الأستاذة بثينة براق الزمرلي رئيسة الجمعية التونسية للمواطنة الفاعلة إلى أبعد من ذلك وتعتبر الحوار والتربية على المواطنة دربة تكتسب من خلال الدورات التكوينية والمنتديات الثقافية وهو الدور المناط بعهدة المجتمع المدني. وفي نفس السياق يقول سليم الهميسي رئيس جمعية تعايش وحوار أن تونس مسالمة بطبعها والتونسي بعيد عن التطرف بالبديهة وان هذا البلد يتسع للجميع دون استثناء.
المواطنة تربية
عن المفارقة بين ما هو نظري في التربية على الحوار والمواطنة وما هو ملموس في السلوك العام، يقول الأخصائي البيداغوجي الأستاذ عبد الله عطية إن المدرسة تربي فعلا على المواطنة والحوار والديمقراطية، فالتلميذ يكتسب آليات الحوار والإصغاء داخل الفصل ومواد التربية المدنية والمواد الاجتماعية والفلسفة في مرحلة متقدمة حبلى بقيم الحرية واحترام شروط العيش المشترك والتسامح والمسؤولية واحترام الآخر والتنازل .. لكن ما يتلقاه من تحصيل في هذا المجال لن نرى له أثرا إذا لم يكن معززا بسلوكيات مدنية في الفضاء العام والشارع وفي وسائل الإعلام وخاصة المرئية منها. وفسر الخبير التربوي: «إذا انتفت شروط الحوار وآدابه لدى النخب السياسية والفكرية التي انتظرها الشعب لتقدم البدائل وتطرح المشاريع الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، وإذا لم تعط هذه النخب صورة ايجابية لمعنى الحوار والمواطنة والاختلاف فإن هذا الأمر يمكن أن يؤثر سلبا على الناشئة.. ويجعل التربية النظرية في واد والممارسة في واد آخر». ولاحظ أن ما يدرسه التلميذ من قيم لا يطبقه في كثير من الأحيان الشارع لأنه يصطدم بواقع بعيد عنها كل البعد.. فالشارع والفضاءات العامة لا تربي الطفل على المواطنة وتصرفه عن ممارستها.ونبه إلى أن المجتمع المدني والأحزاب السياسية والنخب مطالبة بملء هذا الفراغ الثقافي. وفي هذا السياق تؤكد بثينة الزمرلي أن الجمعية التونسية للمواطنة الفاعلة التي لم يرخص في بعثها إلا بعد الثورة أرادت أن تملأ الفراغ.. فالمواطن التونسي وجد نفسه بعد الرابع عشر من جانفي في ظل مناخ تعددي لكن تغلب عليه الضبابية وعملت الجمعية من خلال الدورات التكوينية على إرساء ثقافة الديمقراطية والتربية على المواطنة وتبسيط المفاهيم والتعريف بالقوانين وحقوق المواطن وواجباته وحثت الشباب على الانخراط في الجمعيات بهدف المشاركة في الحياة العامة. وأضافت:»أنشأنا للغرض فضاء للحوار يلتقي فيه الشباب بصفة دورية للنقاش حول مواضيع تتعلق بالشأن العام وحرية التعبير والعدالة الانتقالية والمساواة بين الجنسين واحترام حق الاختلاف والمواطنة الرقمية وغيرها من المسائل». وبينت أن هذا المجهود لا يكفي وحده بل يجب أن يشارك فيه الجميع ليتحول إلى مجهود وطني من أجل تأصيل روح المواطنة في الناشئة والارتقاء بها إلى المستوى المطلوب.
التعايش معا
وفي الإطار نفسه أكد الأستاذ الطاهر يحي رئيس جمعية الدفاع عن روابط العيش المشترك أن الجمعية برمجت عديد الندوات والحوارات الثقافية والمطارحات بهدف تنمية وعي الناس بأهمية روابط العيش المشترك في هذا البلد المشترك تونس. وأكد أن ما يجمع التونسيين أكثر مما يفرقهم لكن ما يثير القلق في هذا الوضع المتأزم الذي برز أخيرا، هو بروز موقفين متنافرين واحد يميني متطرف وآخر علماني متطرف وكل منهما يرى أنه ليس من حق الآخر البقاء والوجود أصلا والخطير أنهما يعملان على تقسيم التونسيين وعلى الالتفاف على مطالب الثورة. وبين أن المجتمع المدني مطالب بإدخال ثقافة حقوقية جديدة مستلهمة من التاريخ العريق لتونس البعيدة كل البعد عن التطاحن المذهبي الديني، أما في ما يتعلق بالإعلام، فيجب أن يكون دوره بناء أكثر في إدارة الحوار بعيدا عن الفزاعات. وأضاف:»الدعوة موجهة لكل الفرقاء والوطنيين ورجال الفكر والجمعيات والأحزاب والنقابات والجمعيات الغيورين على البلاد من أجل أن يلعبوا دورا جديا في إرساء ثقافة الحوار وقبول التعايش معا في إطار جملة من الثوابت المتفق عليها بعيدا عن الإقصاء».
حرية التعبير
يعتبر سليم الهميسي رئيس جمعية تعايش وحوار أن المجتمع المدني له دور أساسي في إرساء ثقافة الحوار والتعايش المشترك وفي توفير فرص هذا الحوار من خلال تنظيم المنتديات واللقاءات العلمية الثقافية وهو ما حرصت عليه جمعيته، وبين أن هذه الجمعية ترصد الوضع العام في البلاد وتتابع التجاذبات السياسية وأنها لاحظت وجود بعض الأطراف التي تعمل على تغيير الطبيعة السلمية للمجتمع التونسي.. وبين أن تجاوز هذه الإشكاليات القائمة لا يتم إلا بالحوار الحر، لأن الثورة قامت أساسا من اجل أن يعيش الناس أحرارا ويعبروا عن آرائهم بحرية.. واستدرك ليفسر أن الحرية يقصد بها أيضا احترام حق الاختلاف وقال:»نعم أن نختلف لكن شريطة أن نعيش معا في هذا الوطن».