بقلم: محمد الحمّار قناعتي راسخة بوجود مشكلة «تخلف وطني» في المجتمع التونسي (والعربي عموما). وهذا واحد من الأبعاد الرئيسية لأزمة المجتمع التي نعيشها الآن يتميز برداءة الأداء التواصلي. لهذا السبب يتوجب التفكير في تأسيس فكر عملي تداولي يستند إلى مقاربة تواصلية ميدانية. ولكي نكون عمليين لنتمعن في الوضع الحالي في تونس من الزاوية التواصلية التي وصفناها بالمحتبسة. يتأكد شيئا فشيئا للعيان أنّ التوجه الإيديولوجي السائد الآن في المجتمع هو ذلك المشكك في النفس بما يعني الهوية والمعتقد واللغة وإمكانيات التونسي مختلفة (حادثة تدنيس الراية الوطنية، مسألة تحكيم الشريعة كمصدر للتشريع من عدمه؛ حادثة تدنيس المصحف الشريف بالجنوب؛ حادثة رسم نجمة داود على واجهة جامع الفتح؛ تكفير عبد الفتاح مورو). في خضم هذه الأحداث أعتقد أن «المواطن» أظهر ضعفا فادحا في التصدي لمثل تلك الاستفزازات. إذ لكي يكون مواطنا، لا بد أن يبقى شامخا ومتعاليا، بصفة إيجابية، إزاء محاولات المشككين دمجه في مثل مآزق منبثقة عن ضلوعه في مسائل مختلقة مثل تلك. الأجدى به أن يحافظ على موقفه المتعلق بالإصلاح وبالتقدم شوطا بعد شوط فيه وعدم التأثر بإيديولوجيا الإرباك. من هذا المنطلق أؤكد على ضرورة اقتراب المواطن من الحاكم لكي يرتق البون الذي يفصلهما والذي بسببه، من بين أسباب أخرى، نرى المجتمع كله ضعيفا أمام التهديدات والمؤامرات. فالمواطن ليس إدارة ولو أنه قد يكون إداريا. والمواطن ليس حزبا ولو أنه قد يكون ناشطا حزبيا. والمواطن ليس جمعية ولو كان منخرطا في جمعية. لكن هذا المواطن في وضع مُزرٍ الآن لا يعاونه على اكتساب صفة المواطنة. ذلك أنّ الذي يغلب عليه هي نزعة الاستلاب للإدارة وللحزب وللجمعية وللمؤسسة. والحال أن من المفروض، كي يصبح الواحد مواطنا، أن يكون هو صانع الإدارة و الحزب و الجمعية و المؤسسة و الحكومة والسلطة. لكن للأسف ترى التونسي اليوم لا يقوم بأي شيء في هذا الاتجاه.ما العمل إذن؟ كيف يكون الإصلاح العام ومن أين يبدأ والحالة هذه؟ أعتقد أن تقريب المواطنين من بعضهم البعض وتقريب المواطنين من السلطة بكافة هياكلها هي من الأولويات في اللحظة الراهنة. فالتخلف المنهجي هو المتغلب على سائر أصناف التخلف من معرفي وعلمي وغيرهما. وهو تخلف تواصلي/سياسي بالتحديد. في هذا الصدد يقع اللوم على الإعلام أولا بالذات وهو الذي لم يفتح منابره لكل الطاقات التي تزخر بها البلاد. ثم يقع اللوم على المثقفين الذين لم يولوا هذه المسألة الأهمية التي تستحق ولم يفكروا في المنهجيات الكفيلة بالضغط على الإعلام لكي يكون منارة تضيء الفكر المجتمعي بفضل أفكارهم. كما يقع اللوم على المدرسين الذين لا يفعلون شيئا يذكر لتجديد طرق التدريس بوسائلهم الخاصة ومن دون التعويل على المتفقدين أو على تعليمات وزارة الإشراف.ويحق أيضا لوم الأكاديميين الذين لم يستنبطوا طرقا عصرية لتنزيل أفكارهم إلى الواقع أين الشعب العريض وأين تصنع المواطنة.إن المواطنة تتكون بفضل الإضافة الناتجة عن جهد الإعلامي و المعلم والأستاذ و المثقف و الباحث والأكاديمي. والمواطنة من هذا المنظور تعني تأسيس الذات قبل تأسيس الجمعية أو الخلية الإدارية أو القسم الجامعي أو الحزب السياسي أو الإذاعة أو القناة التلفزية أو الجريدة. في هذا الإطار يمكن القول إن الشروط الملائمة للإصلاح، إن تربويا أو إعلاميا اتصاليا أو دينيا، ليست متوفرة في الوقت الراهن. فالغياب شبه الكلي لبيداغوجيا الثورة والإصلاح هو العائق الرئيسي أمام الإصلاح.