كان الله في عون الشيخ السعودي عبد الله العويطل الذي خرج بالأمس عن السائد والمألوف وسار بعكس ما تسير به رياح الفتاوى في بلاده عندما أعلن صراحة بأن «إغلاق المحلات التجارية بما في ذلك الصيدليات في أوقات الصلاة بدعة لا أساس لها من دين أو عقل» والكلام للشيخ الذي استند الى أدلة شرعية تؤكد مخالفة هذا الأمر للشريعة الإسلامية وأن الخوف من رجال هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وراء هذا التصرف والدفع إلى تعطيل مصالح العامة إجباريا.. والأرجح أن فتوى هذا العالم السعودي لن تمرّ عليه دون جرّ السخط وغضب المخالفين لرأيه بل انه من غير المستبعد أن يجد الشيخ نفسه يواجه الاتهامات بالتكفير وإفساد المجتمع ودفعه إلى الميوعة وإبعاده عن دينه، بل إنّ ردود الفعل المسجلة على الخبر أغلبها تستهجن موقف الشيخ وتصفه بأبشع النعوت والأوصاف فيما انضمّ إليه قلة رأوا في موقفه محاولة لتحريك الضمائر وكسب سلاح الوقت.. ولكن الحقيقة أن أكثر من سبب من شأنه أن يدفع للتوقف عند فتوى الشيخ التي لم تخل من الجرأة في زمن بات فيه كل صوت قد يرتفع في وجه مظاهر التزمت والتشدّد التي باتت تطوّق المجتمعات الى درجة الاختناق بالزندقة والكفر ويمكن أن تكلف صاحبها ثمنا باهظا قد يصل درجة المحاكمة وحتى فقدان حريته.. قد لا يختلف اثنان أن الشيخ يدرك جيدا عندما أصدر فتواه ما يمكن أن تجرّ عليه من انتقادات واتهامات وأن المنطق يفترض أن الامر يتعلق خاصة بشحذ الهمم ودفع العامة الى الاجتهاد وعدم التكاسل في أداء الواجب بل وجعل همة الإنسان وضميره غير خاضع لسياط رجال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر التي تجبر العامّة على الهرولة الى المساجد خوفا من الضرب وكأن المسلم عندما يكون في بيته وحيدا بعيدا عن أعين الحراس لن يتحرك لأداء واجبه الديني.. ولا شك أن في انتشار مظاهر الإهمال والتواكل وترسّخ عقلية «رزق البيليك» في إداراتنا ومؤسساتنا سواء تعلق الامر بالحفاظ على مصادر الطاقة من الاستنزاف في قضاء الشؤون الخاصة أو سواء تعلق الأمر بعدم الجدية والتهاون في أداء الواجب المهني وتعطيل مصالح المواطن وإهدار وقته في الانتظار دون موجب كل ذلك يستوجب التذكير بالبدع التي يريد البعض تسويقها، وهي بدع سيظل الإسلام دين العلم والعمل براء منها. الفرق بين النقمة والنعمة في اللغة حرفان ولكن الفرق بينهما في الواقع كالفرق بين العلم والجهل.. وبما أن الحديث قياس, فان ما حدث خلال اليومين الماضيين في أحد مكاتب القباضة المالية بالعاصمة لا يمكن إلا أن يتنزل في إطار ثقافة رزق «البيليك» ودورها في انتشار الفساد المالي والإداري أو الخطر الأكبر الذي يستهدف مستقبل الشعوب المتخلفة ويعيق تقدمها ويعرقل كل محاولات الإصلاح التي يمكن ان تعتمدها. وما حدث في المكتب المذكور هو أنه لم يكن بإمكان أصحاب السيارات الذين توجهوا لاستخلاص ما عليهم من آداء معلوم الجولان حيث لم يتمكنوا من ذلك, وللمرة الأولى ربما يشعر المواطن بعدم السعادة وهو يحتفظ بالأموال المقرّر تسديدها إلى القباضة لا لشيء إلا لأنه يدرك تداعيات عدم تسديد معلوم الجولان بحلول الآجال المحدّدة وهو بالتأكيد دفع معاليم إضافية كإجراء عقابي في حال وقوع المحظور.. لا شيء إذن كان عاديا داخل أروقة القباضة, وعلى عكس العادة كانت القاعة مقفرة وأغلب الموظفين هناك في حالة ضجر واضح, وما إن يتجاوز أحد المواطنين عتبة المقرّ وقبل حتى أن يتقدم بطلبه تسارع موظفة هناك بالردّ بأنه لا مجال لاستخلاص معاليم الجولان وأن «السيستام» مضروب.. وأن الجميع ومنذ أول أمس في انتظار وصول العون المكلف بإصلاح «السيستام» وإعادة تحريك العجلة الإدارية المتوقفة. مواطنة -وبكل عفوية- سألت الموظفة ان كانت على علم ما اذا كان بالإمكان العودة آخر النهار أو على الأقل تمكينها من رقم الهاتف للاتصال لاحقا تفاديا لإضاعة الوقت فكان أن ردت عليها بكل برود إنه بالإمكان الاتصال بالمصلحة المعنية لتمكينها من رقم المكتب.. قد يكون في التعميم إجحاف وظلم للإدارة, فليس هناك شك أن في مختلف المؤسسات والإدارات من الموظفين بمختلف درجاتهم من يحرصون على القيام بالواجب ولا يتوانون في أدائه ولا يحتكمون في ذلك الا لضمائرهم, ولكن في المقابل أيضا فان هناك من يكون حضورهم موازيا لغيابهم بل بالعكس فان حضورهم ربما يكلف الادارة الكثير دون أيّة خدمات يقدمونها لا سيما الذين يقضون ساعات العمل في الاتصالات الهاتفية الخاصة أو في ملء فراغات الكلمات المتقاطعة.. والواقع أنه لا يمكن للمواطن في هذه الحالات الا أن يستغرب موقف وبرود وتجاهل هذه الموظفة تماما كما يستغرب تباطؤ وتردد الإدارة المعنية في إصلاح العطب الحاصل لأكثر من أربع وعشرين ساعة وهو ما يدفع للتساؤل في ذات الوقت عما اذا كان العون المطلوب لإصلاح «السيستام» سيأتي من داخل الحدود أو من خارجها؟ أم ما اذا كانت العملية ستتم بعد انقضاء الأجل المحدد لاستخلاص معلوم الجولان؟ ثم ماذا لو استيقظنا وقد اختفت الأنترنت من حياتنا فهل سنتوقف عن تصريف أعمالنا وقضاء شؤوننا اليومية؟ من الواضح ان من اكتسب أسرار التكنولوجيا الحديثة كانت له سلاحا ونعمة، وأن من اقتصر على توريدها بالعملة الصعبة قد أراد لها ان تكون نقمة عليه وصخرة لتحطيم أحلامه...