- متى تنطلق فعليا القاطرة التشغيلية ببلادنا ؟ ما هو الممكن والمتاح لمواجهة شبح البطالة المليوني المرتقب؟ حيرة بصيغة الجمع لازالت تؤرق رجل الشارع والطبقة السياسية على حد السواء عمّقتها علامات تعجّب كبرى تتمحور حول غياب كلّي لخطة طوارئ وطنية للتّشغيل واضحة المعالم، ناجعة، قادرة على أن تًترجم عمليّا في شكل سلسلة من الإجراءات الممكنة والسّريعة التّحقّق التي من شانها الحدّ من تداعيات هذا الملف-اللّغم. من الإجحاف القول أن معضلة التشغيل هي اختصاص حصري لوزارة التّشغيل والتكوين المهني دون سواها -وان كانت أهم أطرافها المتدخلة- بل هي في حقيقة الأمر في تقاطع معقّد وأفقي بين مختلف الوزارات من جهة والمجتمع المدني والطبقة السياسية بمختلف أطيافها القزحية من جهة ثانية، فهي بمثابة القدر المشاع، وعلى الجميع البحث معا عن منافذ ممكنة لمقاربات عمليّة أصبحت متأكدّة اليوم أكثر من أيّ وقت مضى. فمعالجة هذا الملف السّاخن في المنظور العاجل ليست بالأمر الهيّن إذ تقتضي اعتماد مقاربة الممكن والمتاح في منظومتنا الاقتصادية الرّاهنة وفق ما حدّدته الميزانية التكميلية لهذه السّنة والتّعامل مع هذا الملف بحرفية عالية بمناي عن كلّ تجاذب سياسوي أو تسويق انتخابي مهما كان مصدره. من اجل ضمان مقوّمات النجاح لأيّ خطة تشغيلية مقبلة لابد من تحقّق جملة من الشروط أهمّها: الشرط الأول : الإذن بتشكيل هيئة وطنيّة انتقالية مستقلة لمواجهة البطالة تكون في حالة انعقاد مستمر تنخرط فيها جميع الفعاليّات الحكومية وغير الحكومية المعنيّة مباشرة بملف التّشغيل تتّكون نواتها الصّلبة من ممثلّي عن الدّوائر الحكومية ومن الأطراف الاجتماعية وجمعيات المعطّلين عن العمل والمؤسّسات المالية وخبراء متعدّدي الاختصاصات تسندها مراصد جهوية للتشغيل. توكل للهيئة على وجه الحصر المهام التالية: *رصد المتغيّرات التشغيلية. *وضع السّياسات والخطط التشغيلية المستعجلة. *السّهر على تنفيذها ومتابعتها. *التّنسيق بين مختلف المراصد الجهويّة. هيئة وطنيّة انتقالية مستقلة لمواجهة البطالة تشرف عليها شخصية وطنية مستقلة مشهودا لها بالكفاءة والخبرة الواسعة في المجال الاقتصادي والاجتماعي. الشرط الثاني: أنّ نجاح تنفيذ أية خطة تشغيلية عاجلة لابد أن تنطلق على قاعدة اعتبار الاعتمادات المخصّصة للتنمية والتّشغيل حسب ما ورد في قانون المالية التّكميلي وحدة متكاملة لا تتجزأ في تمويل المشاريع العمومية الكبرى والمشاريع الخاصة الصغرى على حد السواء نظرا لمحدودية الموارد المالية المخصّصة للتشغيل بعنوان ميزانية 2012 التكميلية وعدم قدرتها على تغطية جميع البرامج التشغيلية -وان عرفت ارتفاعا مقارنة بالسنة الماضية-. حرصا منّى في الإسهام المتواصل في المجهود الوطني في وضع الرؤى والحلول الممكنة في مختلف الملفات الكبرى في إطار ممارسة حقّ وواجب المواطنة، أضع للتداول والنقاش -عشيّة عقد مؤتمر وطني للتشغيل - مقاربة تشغيلية عاجلة تهدف إلى إعادة بناء جسور الثقة بين مختلف الفاعلين في المشهد التشغيلي الرّاهن وفي تفاعل مع مداخل عصبية للتشغيل . -أ- مدخل تشريعي مدخل يشير إلى الأهمية القصوى للانطلاق في إجراء تعديلات على المنظومة الحقوقية المنظمة للاستثمار واستحداث نصوص جديدة من خلال : 1- الإسراع في تنقيح النصوص القانونية المعرقلة للنشاط الاستثماري التي تمّ تشخيصها من مختلف الوزارات بعد استشارة أهل المهنة والخبرة، 2- الإسراع في إبرام وتوقيع اتّفاقات تعنى بالتأهيل والتدريب السريع في المهن الواعدة بين وزارة التشغيل والتكوين المهني ومختلف الوزارات الأخرى وفق الإمكانات اللّوجستية المتاحة لجميع المتدخلين. -ب- مدخل تقني مدخل من شأنه أن يمكّن مختلف الفاعلين من تلمّس مقاربات ومسالك تشغيلية بآليات جديدة ذات طابع عاجل في نطاق الممكن والمتاح : 1-الإسراع في تنفيذ البرامج الكبرى المتصلة بالبني الأساسية والمرافق العمومية من منشات صحية وتعليمية ... ممّا يساعد على خلق دينامكية استثمارية محلية متعددة الاختصاصات . في السّياق ذاته تكتسي إعادة تهيئة المناطق الصناعية-في حالة يرثى لها ممّا خفّض من معدّلات الانتصاب الاستثماري الخاص- وبعث مناطق جديدة أهمية بالغة لكونها تشكّل مراكز عصبية جاذبة لقوى عاملة كبيرة وقاطرة دفع تنموية حقيقية للجهات. 2- الإسراع في فتح مناظرات الالتحاق بالوظيفة العمومية على أساس تكافئ الفرص بين المترشحين دون محاصصة جهوية ووفق معادلة تقرّ في الآن نفسه بالبعد الاجتماعي وبالنجاعة الاقتصادية لعملية الانتداب. فتعزيز الإطار البشري الجدّ متدنّ لمختلف أصناف المراقبين الراجعين بالنظر لمختلف الدوائر الحكومية - من مراقبي تراتيب وأسعار وصحّة وجودة المنتجات الخ ..ستكون له حتما آثار ايجابية مباشرة على بناء جسور الثقة بين الإدارة والمواطن من خلال المحافظة على قدرته الشرائية من المضاربين هذا إن أمكن الحديث اليوم عن قدرة شرائية أصلا- 3- الإسراع في توجيه جزء من طالبي الشغل نحو الخدمة الوطنية لما يميّز المؤسسة العسكرية من ريادية في تمثّل ثقافة الانضباط وتوفّرها على إمكانات واسعة للتأهيل والتكوين في مختلف الاختصاصات. 4- الإسراع في الاستفادة القصوى من الاستشارة الوطنيّة للتنمية التي انطلقت في جميع الجهات بترتيب المشاريع المقترحة وفق سلّم تفاضلي تسند فيه الأولوية المطلقة للأفكار والمبادرات القابلة للتّنفيذ العاجل وفق الإمكانات المتاحة. 5- الإسراع في ترشيد التصرّف في منحة أمل للارتقاء بها من مجرّد مسكّن ظرفي إلى منظومة منتجة من خلال تمكين المستفيدين منها وجوبا من متابعة دورات تأهيلية بالاعتماد على نظام التكوين بالتداول. كما يتعيّن على كل وزارة معنية مباشرة بهذا التأهيل أن تفعّل آليات الرقابة والإحاطة بالمستفيدين بهذه المنحة . 6- الإسراع في مراجعة الآليات الحالية المساعدة على الاندماج المهني (التي عرفت بالأرقام فشلا ذريعا في تحقيق أهدافها) باعتماد مقاربة تتميّز بوضوح المسارات لطالبي الشّغل من خلال دمج منهجي وتفاعلي لجميع الآليات الحالية في ثلاثة أقسام رئيسية : * قسم أول مخصّص لحاملي الشهادات العليا والتكوين المهني دون تمييز في شكل عقود تأهيل وإعادة تأهيل للحياة المهنية مع الترفيع فى المنحة المسندة من الدولة ، * قسم ثان موجّه للعاطلين دون مؤهل علمي أو مهني في شكل عقود تدريب أو تأهيل مع الترفيع في المنحة المسندة من الدولة، * قسم ثالث يعنى بالباعثين بمختلف فئاتهم العمرية في شكل عقود برامج متنوعة تبرم بين الباعثين والمؤسسات المالية تلتزم بمقتضاه بتوفير التمويل الذاتي عند انطلاق المشروع و القيام بالتبني الكامل للمشاريع ذات المردودية العالية. خارطة برامجية جديدة بمسارات مبسطة وانسيابية تمكّن طالب الشغل من الانتقال من قسم إلى آخر عند نيله في الأثناء لشهادة أو اعتزامه الانتصاب للحساب الخاص. إلا انه يتوقّف نجاح هذه المنظومة - خاصة قسمها الأول والثاني- في إرساء نظام مزدوج يرتكز على مقاربة المكافأة/الخصم يطبّق بالتساوي على طالبي الشغل والمؤسسة الاقتصادية وفق التّصور الآتى : من جهة طالبي الشغل: لكل طالب شغل رصيد من النقاط تعتمد كمعيار: -إمّا في الرفع من المنحة الشهرية المسداة له من المؤسسة الاقتصادية والدولة وإدراجه ضمن قائمة طالبي الشغل ذوي الكفاءة العالية مما ييّسر عملية إدماجه في الحياة المهنية، -وإمّا التخفيض من سجلّ نقاطه ممّا يعقّد عملية التحاقه بالحياة النشطة. من جهة المؤسسة الاقتصادية: لكل مؤسسة رصيد من النقاط أيضا تفضي وفق نظام المكافأة/الخصم: -إمّا بتمكين المؤسسة من الاستمرار في الانتفاع بجميع الحوافز الاجتماعية والمالية والجبائية وغيرها من المحفّزات الإضافية، -وإمّا بحرمانها من الامتيازات المذكورة ومطالبتها بالتعويض في صورة الفسخ من جانب واحد ودون موجب مبرر للعقد التي أبرمته. يقع ضبط معايير المكافأة/الخصم ومتابعة تنفيذها من قبل المصالح المختصة للوزارة المعنية مباشرة بالتأهيل موضوع التعاقد بين طالب الشغل والمؤسسة الاقتصادية. 7 - الإسراع في التخلص -ولو جزئيا- من الحاجز النفسي الجماعي المتمثل في النظرة الدّونية لمنظومة التكوين المهني باستبدال تسميتها بمنظومة التأهيل التقني، لما يختزله التّوصيف الجديد من شمولية ومواكبة أفضل لنسق المتغيرات الاصطلاحية-الاتّصالية التي يشهدها العالم اليوم. ٪ مدير هيكل تكوين ودراسات