الارتجالات تأسر الجمهور فيطرب لها ويتفاعل راوحت سهرة أول أمس بمهرجان الجاز بقرطاج الذي تنظمه مؤسسة «سكوب» للإنتاج بالتعاون مع مؤسسة تونيزيانا بين فن البلوز وفن الجاز الذي مثل فضاء واسعا تداخل فيه الحلم والتاريخ والمشاعر المتحولة. السهرة أمنتها مجموعة سويسرية وأخرى أمريكية تميزت عناصر هذه الأخيرة (برانفورد مارسليس على آلة السكسفون وجو كالديرازو على آلة البيانو) بتنفيذ ارتجالات عميقة فيها الكثير من الحنين لمنابت تبدو صورتها غامضة حاول من خلالها مارسليس على آلة الكلارينات والسكسفون أن يمدّ مظلته الشعورية كي يستطيع تلبية انتظارات الجميع ويؤكد في الآن نفسه أن فن الجاز يبقى البلسم الوحيد لمرارة العنصرية وكل أشكال الاضطهاد. هذا لا يعني أن الجزء الأول من السهرة مع فرانك ساليس (على آلة البيانو) وماركو نيفانو (على آلة الساكسوفون) ووساندرو شينيبيلي (على آلة القيثارة) وروكو لامبردي (على آلة الباتري) -رغم صغر سنهم- لم يكونوا في المستوى الفني المنتظر بل فاجؤوا الجميع وكانت ارتجالاتهم على مختلف الآلات متميزة عبرت عن حزن عميق تارة وعن إحساس عميق بالفرح والانتصار.
كالديرازو وساليس نجما السهرة
إننا نكاد نجزم أن من لم تدغدغ مشاعره التقاسيم على الساكسفون أو النقرات على أصابع البيانو في سهرة الثلاثاء الماضية مختل المزاج، لما شهدته من نغمات منوعة في أشجانها الى حد العزف الهيستيري من خلال الارتجال للتقاسيم والتناغم بين عازف وآخر فسبح كل منهم داخل المساحة الإبداعية بين أسلوبه وإحساسه كأنه يبحث عن صدى صوت داخل نفسه يتحرك ويعتمل في داخله. ما شدّ انتباه الحاضرين ليلة أول أمس بفضاء طالاسو حيث أقيمت السهرة بصفة خاصة هو عزف كل من فرانك ساليس وجو كالديرازو على آلة البيانو ليطالب الجمهور في مناسبتين إعادة بعض المقاطع لما حملته من نغمات وإيقاعات ساحرة تجعلك تشعر بحنين وأحاسيس مختلفة بل تشعر وكأنك الحاضر الوحيد في الفضاء تود لو يستمر الحفل وتستمع للمزيد من الإبداعات. ساليس وكالديرازو يجعلانك تؤمن بأن الموسيقى لا حدود لها وأن فن الجاز على وجه الخصوص لا يمكن أن ينحصر في نغمات معينة وطريقة عزف محدودة لأنه يتميز على غيره من الفنون بارتجالات غالبا ما تكون من وحي اللحظة. بعد الحفل الناجح -وإن لم يكن المشاركون من الأسماء الكبيرة المشهورة- أبدت لنا المجموعتان ابتهاجهما إزاء التفاعل الكبير للجماهير. وعن فن الجاز أعرب كل الأفراد عن شغفهم بهذا الفن المتشعب بايقاعاته المتنوعة وأنهم سيحرصون دوما على إيصال مميزات هذا الفن في كامل أقطار العالم.. وتجدر الإشارة إلى أن مهرجان الجاز بقرطاج يتواصل إلى غاية 15 من الشهر الجاري في سهرة مع الفنان التونسي الشاب بندرمان وعازف القيثارة الأمريكي الشهير مايكل بوركس. الملفت للانتباه في كل العروض التي انطلقت بداية من 5 أفريل الجاري أنها كانت ناجحة رغم التفاوت الملحوظ على مستوى العزف والآداء ليعكس عامل الاحتراف القيمة الفنية لكل مجموعة والفوارق بين كل منها.