تونس الصباح: تعتزم المطربة اللبنانية فيروز الحضور الى العاصمة السورية دمشق اواخر شهر جانفي الجاري لتقديم مسرحية «صحّ النوم» الغنائية.. الخبر يبدو عاديا ولا يحمل أية دلالات غير فنية.. لو لا محاولة بعض الزعماء السياسيين اللبنانيين توظيف المسألة من أجل تعميق هوّة الخلاف السياسي ومنطق التحالفات بين مختلف الفرقاء على الساحة اللبنانية.. فقد استهجن النائب وليد جنبلاط رئيس حزب اللقاء الديموقراطي عزم المطربة فيروز التحوّل الى دمشق صحبة مجموعتها لتقديم مسرحية «صحّ النوم» الغنائية معتبرا ذلك شكلا من اشكال الدعم للنظام السوري ولأجهزة استخباراته «الضالعة في القتل والبطش» على حد تعبيره . بدوره دعا النائب أكرم شهيب الفنانة فيروز الى الامتناع عن الغناء في سوريا وذلك من خلال رسالة وجهها اليها. وبعيدا عن اي خوض في السياسة عامة وفي تفاصيل المشهد اللبناني خاصة تبدو مثل هذه المواقف التي يريد اصحابها على ما يبدو التشويش على الفن بالسياسة فاقدة لأي معنى بل ومتجنية لا فقط على المطربة الكبيرة فيروز وعلى صوتها الاستثنائي وانما ايضا على الرسالة الحضارية والثقافية النبيلة للفن وللابداع. فالمطربة الكبيرة فيروز التي لم يسبق لها مثلا ان «تورّطت» في اي شكل من أشكال الانحياز السياسي او المذهبي ابّان الحرب الاهلية في لبنان (اواسط السبعينات الى بداية التسعينات) وغنّت في أوج هذه الحرب سيئة الذكر اغنيتها الخالدة «بحبّك يا لبنان يا وطني» قائلة: بحبّك يا لبنان يا وطني... بجنوبك، بشمالك، بسهْلك بحبّك... وفيروز التي غنّت للقدس مدينة للصلاة لكل الديانات قائلة: إليك يا مدينة الصلاة.. أغنّي إليك يا بهيّة المساكن يا زهرة المدائن... يا قُدْسُ، يا مدينة الصلاة.. أصلّي.. وفيروز التي لم يحدث قطّ أن انبعث من ثنايا رحيق أغانيها أي شكل من أشكال روائح الانتماء السياسي او التعصّب المذهبي لا يمكن اطلاقا أن تكون محل ريبة أو تشكيك لا بالتلميح ولا بالتصريح .. فهذه الفنانة والمطربة الاستثنائية يشهد لها تاريخها الفني ورصيدها الغنائي الطربي والرفيع وكذلك صوتها الاستثنائي بانها احدى الفلتات في عالم الغناء العربي شأنها في ذلك شأن كوكب الشرق أم كلثوم.. وما من شك في أن اسما فنيا عربيا بهذه القيمة وهذا التاريخ لا يجوز اطلاقا أن يكون محل «مساءلة» خاصة اذا ما كان منطلق هذه «المساءلة» حسابات سياسية ضيقة وغير بريئة.. حسابات «أرقامها» التحالفات السياسية واهدافها الربح والفوز بالمناصب من منطلق مذهبي وحزبي انعزالي ضيق! منطق غريب! ثم ان المرء ليتعجب حقيقة من هذا المنطق الغريب الذي اعتمده هؤلاء لدعوة فيروز الى الامتناع عن الغناء في سوريا.. ذلك أن «سابقة» كهذه ستفتح الباب واسعا على عملية تسييس الاصوات الغنائية و«استعبادها» وجعلها في خدمة الانتماء السياسي والمذهبي الضيق.. وهو توجه يتناقض تماما مع الرسالة الثقافية والحضارية للفن ولكل أشكال الابداع.. بل هو توجه اذا ما اعتمد مستقبلا فانه سيؤدي الى خلق «أصناف» لقائمة جديدة من الفنانين.. بعضها يكون صوتا لميليشيا حزبية بعينها وبعضها الآخر يكون «بوقا» لطائفة بعينها.. وهكذا دواليك.. الى أن تعمّ الكارثة!