بقلم: الاستاذ الصياح الوريمي لا يحتاج الشعب التونسي إلى توطئة أو فصل في الدستور حتى ينتصر لقضايا أمته وهويته ودينه ومقدساته عموما فتلك ثوابته الوطنية ومسلماته التي لا تقبل الجدل والتشكيك وهي أسمى في اعتقادنا من الدستور ذاته الذي تبقى سمته في تاريخ الشعوب مؤقت مهما قاوم الزمن. أما الثوابت والمسلمات فتبقى ثابتة إلى أن يرث الله الأرض وما عليها لأن تلك الثوابت موغلة في عمق النسيج الاجتماعي والثقافي والحضاري للمجتمع التونسي. أما ما يحتاجه الشعب التونسي تضمينا في الدستور هو ضمان ممارسة حياة سياسية سليمة تحول دون عودة الاستبداد طال الزمان أم قصر عبر تحديد آليات و ميكانيزمات تمنع استبداد الفرد أو الجماعة أو الفئة أو المؤسسة.. إن جوهر الدستور الذي تستحقه تونس ويستجيب لمتطلبات ثورتها سياسي بامتياز. لا نختلف في ذلك عن باقي الشعوب التي عاشت في تاريخها ثورة كالتي عشناها. منذ 14 جانفي 2011 ونحن نعيش حالة دستورية متراكمة مع مرور الوقت يمكن أن تصل إذا ما طالت في الزمن إلى حد الدستور العرفي مثلما حصل في تاريخ البلدان التي تعتمد الدساتير العرفية كالمملكة المتحدة وهي فرضية بعيدة التحقق لكننا اشرنا إليها من باب التدليل على أن الشعب في صراعه ضد السلطة ز ز س يصيغ دستوره أو على الأقل مبادئه الدستورية عند كل حدث من أحداث ذلك الصراع وانه ينبغي على السادة أعضاء المجلس الوطني التأسيسي وهم منكبون على صياغة الدستور أن يتمعنوا في تلك الأحداث ويستلهموا منها إذا ما أرادوا أن يكونوا أوفياء لهذا الشعب... لنأخذ عينات من واقع ما بعد الثورة حتى تتضح الفكرة أكثر: الهبة الشعبية لنصرة الاتحاد العام التونسي للشغل حين تم الاعتداء على بعض مقراته تتضمن إجماعا على عدم المساس بالحق النقابي. الإجماع على التنديد بالاعتداء على جرحى الثورة في مقرات وزارة حقوق الانسان إجماع على عدم المساس بكرامة المواطن التونسي بعد الثورة وخاصة اعتراف الوطن بتضحيات شهداءه وجرحاه الذين عوض أن تضعهم حكومة الشعب في أعينها وتقيم لهم النصب التذكارية وسط اكبر معالم البلاد التاريخية تزف لنا هذه الحكومة خبر تعهد دولة أجنبية بقطع النظر عن من تكون بمعالجتهم على نفقتها وكأنها (الحكومة) حققت انجازا عظيما. نقول بلا حرج للسيد وزير حقوق الإنسان الذي زف الخبر لو وقفت يوما أمام قبة البونتيون بباريس وقرأت ما نحت عليها تخليدا لذكرى من ضحوا في سبيل أوطانهم لأدركت سوء ما اعتقدت انه خبر مفرح. الإجماع على التنديد بالاعتداء على المتظاهرين وقمعهم يوم 9 أفريل إجماع على عدم الحد من حرية التعبير والاحتجاج السلمي. والإجماع على تثمين تراجع الحكومة عن قرار منع التظاهر في شارع الحبيب بورقيبة وكذلك الإجماع على حماية العلم المفدى إجماع على تكريس المواطنة واحترام الشرعية. والإجماع على التنديد بالاعتداء على الإعلاميين إجماع على تكريس حرية الإعلام واستقلاله وفرضه كسلطة رابعة فعلية...... أو أن يأتي نائب الشعب في المجلس الوطني التأسيسي إلى جهة من جهات البلاد ليشرح بوصفه مقررا عاما للدستور آخر أعمال المجلس الوطني التأسيسي في هذا الموضوع تحت يافطة حزبه وفي دار ثقافة الشعب كل الشعب ... هذا تداخل بين الصفة الحزبية والصفة العمومية يمس من سلامة آليات ممارسة الديمقراطية في مجتمع لا يزال يتحسس السلوك الديمقراطي أو كما قال الشيخ راشد الغنوشي لا يزال سنة أولى ديمقراطية إلا أن الشيخ جانب الصواب وأكد فعلا أننا بسياسيينا وقواعدنا لا نزال سنة أولى ديمقراطية عندما زمجر بلغة الواثق من نفسه أن الحكومة لا تستقيل إلا بأحد الأمرين: سحب الثقة أوالانتخابات في موعدها. ناسيا ما يمكن أن يفعله الشارع بأكثر الحكومات شعبية وتمثيلية عندما تزل قدمها في مطب ما وتعصف بها أزمة ما من الأزمات العارضة التي تربكها و لنا في تاريخ الديمقراطيات العريقة القديم والحديث شواهد. إن موقف كهذا لزعيم الأغلبية الحاكمة لا يؤشر في اعتقادنا إلى التفاؤل والتنبؤ بحسن سير العملية السياسية في البلاد. وما زاد الطينة بلة تصريحات الشيخ غير المدروسة في اعتقادنا حول خصخصة الإعلام ودعوة المقرر العام للدستور الحبيب خذر من على أحد منابر التلفزة الوطنية الأغلبية وبالتحديد أنصار حركة النهضة بالتظاهر في الشارع ردا على احتجاجات المعارضة ما يشير إلى سوء فهم لآليات الديمقراطية لان الاحتجاج السلمي في الشارع مكفول للمعارضة دون الأغلبية التي تملك السلطة فكيف تحتج السلطة على نفسها؟ هذه عينات من وحي واقع الحالة الثورية الدستورية منذ اندلاع الثورة المباركة التي خلفت فينا حساسية حادة وأحيانا مفرطة تجاه كل ممارسة من الحكومة أو من المواطن تحمل ما يمكن أن يؤشر إلى احتمال عودة الاستبداد بأي شكل من أشكاله فردا أو مجموعة أو حزبا أومؤسسة أو حكومة.. فنلتقطها بسرعة ونستهجنها ونحذر من تكرارها... والعينات هذه وغيرها مما هتف به شبابنا في ثورتهم إذا ما وعاها نوابنا في المجلس الوطني التأسيسي والتزموا أثناء صياغة الدستور بروحها يكونوا قد انهوا صياغة أهم الفصول من دستور يخرج من الرحم المتحرك لهذا الشعب. فيكون دستورا تونسيا خالصا وأصيلا وغير مقتبس مصدره الأساسي عمق الحالة الدستورية التي عشناها ونعيشها هذه الأيام. بدا لنا و نحن نتابع بعض جلسات المجلس الوطني التأسيسي ربما سنفاجأ بعض السادة القراء أن نواب العريضة الشعبية.. و بالأخص النائب السيد إبراهيم القصاص اقرب إلى روح الشعب وواقعه من زملائهم الآخرين و خاصة ذوي التكوين الحقوقي, الذين نلفت عنايتهم ونخص منهم بالذكر النائبين العميد الفاضل موسى و المقرر العام للدستور الاستاذ الحبيب خذر إلى أننا نريد دستورا ولا نريد شروحا في القانون الدستوري ذلك انه إذا كنا نريد الأمر الثاني لاكتفينا بتشكيل لجنة خبراء في القانون الدستوري ولما أرهقنا المجموعة الوطنية بأعباء انتخابات المجلس الوطني التأسيسي.